للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُه: "فَبعِ التَّمرَ بِبيعٍ آخَرَ"؛ الألف واللام في "التمر" للعهد في الرديء.

وقولُه: "ثم اشْتَرِ بِهِ"؛ يعني "به": الصاع الجيد، ويكون المعنى: بِعْه على صفقة أخرى، وتكون الباء زائدة، كأنه قال: بِعْهُ بيعًا آخر، وعود المعنيين إلى محلين أولى من عودهما إلى محل، خصوصًا إذا استقام المعنى به، والله أعلم.

وفي هذا الحديث أحكام جليلة:

منها: النصُّ على تحريم رِبا الفضل في التمر، والأمة كلها عليه، إلا ابن عمر، وابن عباس - رضي الله عنهما -؛ فإنهما قالا بجوازه إذا كانا يدًا بيدٍ في جميع الربويات المتجانسة في أول أمرهما، فلما بلغهما حديث أبي سعيد، رجعا عن قولهما بإباحته إلى منعه، وذكر الراوي عنهما الإباحة الرجوعَ عنها لأبي سعيد.

ومنها: اهتمام التابع بمتبوعه في أكله وجميع أموره، وطعامه الجيِّد الطيب دون الرديء.

ومنها: السؤال عن تصرف المتبوع له عن كيفيته ليعلمه إياها، وليجتنبه المتبوع.

ومنها: تعليم العلم، وتقبيح المحرم والمكروه لمن يعلمه؛ ليجتنبه ويعلمه غيره.

ومنها: تعريف التابع للمتبوع اهتمامه به في المطعم، وعدم الرضا بالرديء له، إما لقصد دعاء المتبوع له، وإما لإقباله عليه، إما بظاهره، أو بباطنه، أو بمجموعهما.

ومنها: ما احتج به أصحاب الشافعي ومَنْ وافقهم على استعمال الحيل في البياعات في مسألة العينة كما يفعله بعض الناس، توصلًا إلى مقصود الرِّبا، بأن يريد أن يعطيه مئة بمئتين، فيبيعه ثوبًا بمئتين، ثم يشتريه منه بمئة.

وموضع الدلالة من هذا الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "بِعْهُ واشْتَرِه ببِيع آخَرَ"، ولم يقصد بذلك سوى الخلاص من العقد الممنوع منه في الشرع، وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>