قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أدركَ مَالَهُ بِعَينِه عِندَ رَجُلٍ قد أَفلَسَ"، قال الأزهري: أفلس الرجل: إذا عَدِم، وتفالس: ادَّعى الإفلاس، وهو مأخوذ من الفلوس التي هي أحسن الأموال؛ كأنه إذا حُجِر عليه، مُنع التصرُّفَ في ماله، إلا في شيء تافه؛ فإنه لا يعيش إلا به، وهو مؤنته ومؤنة عياله.
وقيل: لأنه صار ماله كالفلوس؛ لقلته بالنسبة إلى الديون، وقال صاحب الحاوي؛ هو باب الفلس والتفليس، وكره بعض الشافعية أن يقال: باب الإفلاس؛ لأنه مستعمل في الإعسار بعد يسار، والتفليس في حجر الحاكم على المديون (١).
وفي الحديث أحكام:
منها: رجوع البائع إلى عين ماله عند تعذر الثمن بالفَلَس فقط، ولا تأويل لخلافه، حتى قال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية: لو قضى القاضي بخلافه، نقض حكمه، وقد اختلف العلماء في المسألة على ثلاثة مذاهب:
أحدها: مذهب الشافعي - رحمه الله -: أن البائع يرجع إلى عين ماله عند تعذر الثمن بالفلس والموت.
الثاني: مذهب أبي حنيفة: أنه لا يرجع إليه إلا في الموت، ولا في الفَلَس، وتأول الحديث على وجهين ضعيفين:
أحدهما: حمل الحديث على الغصب والوديعة، وهو فاسد؛ حيث إن الحمل على ذلك يبطل فائدة تعليق الحكم بالفلس.
والثاني: حمله على ما قبل القبض، وهو مستضعف بقوله:"أدرك ماله" أو وجد متاعه"؛ فإن ذلك يقتضي إمكان العقد بعد خروج السلعة من يده.
المذهب الثالث: قول مالك: يرجع في الفَلَس دون الموت، ويكون في الموت أسوة الغرماء، والحديث حجَّة له، قوي فيه جدًّا.