وأوجعكم بالتقريع بها، كما يُضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه (١).
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: مراعاةُ حقِّ الجار في كلِّ شيء، حتَّى في دخول الضَّررَ عليه فِي ملكه.
ومنها: تقديمُ حق الشرعِ على حظِّ النفس في الأملاك.
ومنها: قبول حكم الشرع، وإن كرهته النفس، والانشراح له من غير إعراض عنه.
ومنها: عدم منع الجار من وضع خشبة على حائط جاره عارية، بشرط إلَّا يؤدي وضعها على الحائط إلى هدمه، فإن أدى وضعها عليه إلى هدمه، وجب منعه إجماعًا؛ لأنَّه ليس احتمال أحد الضررين بأولى من الآخر.
واختلف العلماء في المنع، إذا لم يكن ضرر، هل هو للتحريم، أم للكراهة؟
وفيه قولان للشافعي:
أحدهما: وهو نصُّه في "القديم"، وفي "البويطي" -وهو من كتب الشَّافعية الجديدة-: التحريم، قال البويطي في باب اختلاف مالك والشافعي: وقال مالك: للجار أن يمنع جاره أن يغرز خشبة في جداره، وقال الشَّافعي: ليس له أن يمنعه.
والثاني: وهو نصُّه في الجديد: أنه لا يجب عليه تمكينه من وضعها على حائطه، بل الأمر بوضعها عليه للندب، وحمل الحديث إذا كان بصيغة النَّهي على كراهة التنزيه، أو الاستحباب، إذا كان بصيغة الأمر.
ونقل الخلاف في مذهب مالك -أيضًا-، ورجح أصحابه الندب أو الكراهة، وهو قول أبي حنيفة، والكوفيين، وبالوجوب قال أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وأصحاب الحديث؛ لظاهر قول أبي هريرة، وإشعاره بالوجوب، فقوله:"ما لي أراكم عنها معرضين؟! والله لأرمين بها بين أكتافكم"، وهو يقتضي التشديد، ولحوق المشقة والكراهة لهم؛ لأنهم فهموا الندب من الحديث، لا الإيجاب،