وأَمَّا الأَمرُ بمعرفةِ وِكائِهَا وعِفاصِها: لِيُعلم صدقُ واصِفِها من كذبه؛ لتكون معرفته وسيلة إلى ذلك بذكر المالك لما عرفه الملتقطُ، وسُمِّي الملتقَط لقطةً -بفتح القاف-، وقياسه أن يكون لمن يكثر منه الالتقاطُ؛ كالهزأة والضُّحَكة وأمثاله.
والوِكَاءُ: بالمدِّ وكسر الواو، وهو ما يُربط به الشيء، من صرة وغيرها، بخيط ونحوه.
والعِفَاصُ: أصلُه: الجلدُ الذي يلبس رأس القارورة، ثم استعمل في الوعاء، فغلب فيه.
وقوله:"فَإِن لَم تَعرِفْ، فاسْتنَفِقها"، الأمر باستنفاقها أمر إباحة لا وجوب، بلا خلاف.
وقولُه:"ولْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ"، لفظ الوديعة مع الاستنفاق مجاز؛ فإن الوديعة تدل على الأعيان، وإذا استنفقت اللقطة، خرجت عن كونها عينًا، ويجوز ذكرها مع الاستنفاق بلفظ الوديعة؛ من حيث إنه إذا جاء ربها وطلبها، وجب ردُّها إليه كما يجب ردُّ سائر الأمانات.
ويحتمل أن تكون الواو في قوله:"وَلتكُنْ وَدِيعَةً"؛ بمعنى "أو" فيكون حكمها حكم الودائع والأمانات إذا لم يتملكها؛ فإنَّها تكون أمانة عنده كالوديعة.
وقولُه:"فَإنْ جَاءَ صَاحِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، فَأَدِّهَا إلَيْهِ"؛ يعني: إذا تحقَّق صدقُ صاحبها أنها له، إما بوصفه لها، أو بأمارة، وإما ببينة -على اختلاف بين الفقهاء في ذلك-، فإنّه يجب ردُّها إليه بعد تعريف الملتقط إياها.
وقولُه:"وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا! دَعْهَا؛ فَإنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَأكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّها"؛ لا تقع الضَالَّة إلَّا على