وقولُه:"رَجُلٍ ذَكَرٍ"؛ وصفُ الرجل بأنه ذكر تنبيهٌ على سبب استحقاقه، وهو الذكورية، التي هي سبب العُصوبة، وسبب الترجيح في الأثر، ولهذا جعل للذَّكَر مثلُ حظِّ الأُنثيين، وحكمته: أن الرجال يلحقهم مؤن كثيرة بالقيام بالعيال والضيفان وإرفاد القاصدين، ومواساة السائلين، وتحمل الغرامات، وغير ذلك، وقد أورد على ذلك إشكال، وهو أن الأخوات عصبة مع البنات، والحديث يقتضي اشتراط الذكورية في العصبة؛ لاستحقاق باقي التركة!
والجواب: أن ما ذكر، وهو ما ذكر من طريق المفهوم، وأقصى درجاته أن يكون له عموم، فيختص بالحديث الدال على الحكم المذكور؛ من كون الأخوات مع البنات عصبة، والله أعلم.
وفي الحديث دليل: على البداءة في قسمة التركات بالفرائض بين أهل الفرض.
وفيه دليل: على أن العصبات لا يرثون إلَّا بعد استيفاء أهل الفرائض فرائضهم.
وفيه دليل: على توريث العصبات، وتقدم الأقرب فالأقرب منهم، فلا يرث عاصب بعيد مع وجود قريب، فإذا خلف بنتًا وأخًا وعمًّا، فللبنت النصف فرضًا، والباقي للأخ، ولا شيء للعم.
وفيه دليل: على الرجوع في قسمة الفرائض وأنصبائها إلى كتاب الله تعالى؛ حيث تولى الله تعالى قسمتها تنبيهًا على شدة أمر الأموال وصعوبته، وقد أكَّد -سبحانه وتعالى- ذلك بقوله:{فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة: ٦٠]، وكذا القول في أموال الصدقات؛ حيث قال:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} -إلى قوله تعالى-: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة: ٦٠].
وقد تولى الله -سبحانه وتعالى- قسمة أموال الغنيمة في سورة الأنفال، وأموال الفيء في سورة الحشر، وكل ذلك دليل على شدة تعظيم الأموال وحرمتها، وقطع المنازعة بسببها، والله أعلم.