لما تحقق الصحابة - رضي الله عنهم - أمر الله - سبحانه وتعالى - لهم بالرجوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سرًّا وجهرًا، وكانوا قد عملوا أعماله الجهرية مدة صحبته، سألوا أزواجه عن عمله في السرِّ؛ ليقتفوا آثاره السرية كما اقتفوا ما أمكنهم من الجهرية، ثمَّ ظنُّوا أن ترك التزوج، وأكل اللحم، والنوم على الفراش من آثاره - صلى الله عليه وسلم -، فبلغ ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فخطب الناس [من] غير مواجهة لمن قال ذلك بالإنكار عليه؛ ليحصل الجمع بين مصلحتي بيان أحكام الله تعالى، وإبلاغها من غير تعيين مَنْ خالفها، وقال ما قاله جهلًا؛ ليرجع إلى الحق من غير تأنيب له بالتعيين لحصول المقصود، والله أعلم.
وفي الحديث أحكام:
منها: وجوب تتبع آثاره - صلى الله عليه وسلم - في الجملة، فما كان منها واجبًا، فعل على الوجوب، وما كان منها مندوبًا، فعل على الندب، وقد يكون واجبًا عليه - صلى الله عليه وسلم -، مندوبًا في حقنا، وقد يكون عكسه.
ومنها: التوصل إلى العلم والخير بكل أحد من النساء والعبيد، إذا تعذر أخذه من أصل محله.
ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يذكر ما اعتاده من الأعمال الشاقة التي يظنُّ أنها طاعة؛ ليتبين أمرها، ويرجع عنها إلى السنَّة فيها.
ومنها: البيان بأفعال العلماء وأقوالهم، وأحوالهم.
ومنها: أن ملاذ النفس والبدن، إذا فعلها لامتثال الشرع؛ فيما امتنَّ به وأباحه؛ تصير طاعات مثابًا عليها.
ومنها: تحريم فعل الشيء الجائز أو الامتناع عنه رغبة عن السنة، بل إن فعله بغير مقصود شرعي عنادًا لمقصود الشرع، اقتضى أن يكون كفرًا، وقد تقدم تأويل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" في الحديث قبله، وإن كان
= كتاب: النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، ووجد مؤنه، وهذا لفظ مسلم.