للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما سعد بن أبي وقاص؛ فتقدَّم ذكره قريبًا في باب: الوصايا، مستوفى.

وأَمَّا عُثمانُ بنُ مَظْعُون؛ فهو قرشيٌّ، جمحيٌّ، كنيته: أبو السائب، وكان من فضلاء الصحابة - رضي الله عنهم -، وعُبَّادهم ومجتهديهم، أسلم - رضي الله عنه - بعد ثلاثة عشر رجلًا، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا، لا خلاف في ذلك.

قال ابن عبد البر - رحمه الله -: قد كان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وعثمان بنُ مظعون، وأبو ذر، هَمُّوا أن يختصوا ويتبتلوا، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، ونزلت فيهم: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية [المائدة: ٩٣].

وكان أحدَ مَنْ حرَّم الخمر في الجاهلية، وقال: لا أشرب شرابًا يُذهب عقلي، ويُضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي، فلمَّا حُرِّمت الخمر، أُتي وهو بالعوالي، فقيل: يا عثمان! قد حُرِّمت الخمر، فقال: تبًّا لها، قد كان بصري فيها ثاقبًا (١).

ولا شك أن تحريم الخمر عند الأكثرين بعد أُحُد، وهذا إنما يتجه على قول من قال: إن عثمان بن مظعون توفي بعد ثلاثين شهرًا بعد شهوده بدرًا، فيكون تحريم الخمر، والقول له بتحريمها بعدَ أحد؛ لأن أُحُدًا كانت في السنة الثالثة من الهجرة، ووفاته على هذا القول بعد ثلاثة أشهر من أول السنة الخامسة من الهجرة، والله أعلم.

وكان عثمان بن مظعون أوَّلَ من مات من المهاجرين بالمدينة، بعد رجوعه من بدر، وأول من تبعه إبراهيمُ بن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقبَّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمانَ بعدما مات، فلما غُسِّل وكُفِّن، قَبَّلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين عينيه، فلمَّا دُفِن قال: "نِعْمَ السلفُ هو لنا عثمانُ بنُ مظعون" (٢)، ولمَّا تُوفي إبراهيم بن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال


(١) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٣٩٤٣).
(٢) ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" (٣/ ١٠٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>