وبهذا يحصل الجمع بين الآية والحديث، فيكون المقصود: الإشارة إلى كثرة العبادات غير الشاقة، وملازمتها؛ لدلالة السياق في الآية؛ من الأمر بقيام الليل وترتيل القرآن والذكر، لا ترك النكاح والأمر بتركه؛ فإنه كان موجودًا مع الأمر بما ذكرنا في الآية الكريمة؛ لما في ترك النكاح والاختصاء من الغلو في الدين، والتشديد على النفوس، والإجحاف بها؛ كما يفعله كثير من جهال المتزهدين وعباد المتنطعين.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: عدم الإقدام على ما تحدثه النفوس من غير سؤال العلماء عنه.
ومنها: ترك التنطع وتعاطي الأمور الشاقة على النفس.
ومنها: أن العلماء لا يأخذون الناس إلا بالشرع السهل، ورد المشاق عليهم.
ومنها: أن الإنسان قد يجتهد في أمور دينية، فلا يجوز له العمل باجتهاده من غير استناد إلى دليل شرعي، لكنه غير مأثوم في الاجتهاد، إذا كان مقصده صحيحًا، ويكون مخطئًا إذا خالف الشرع، مثابًا عليه إذا لم يجد فيه نصًّا، ولا من يرشده إلى الصواب.
واعلم أن الإخصاء في الآدمي حرام قطعًا، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، وكذا يحرم خصاء كل حيوان غير مأكول، وأما المأكول: فيجوز خصاؤه في صغره، ويحرم في كبره؛ لعدم طلب اللحم في خصاء الكبير، ووجوده في الصغير.
ومنها: عدم المنع من ملاذ الدنيا، خصوصًا إذا قصد بها وجه الله تعالى؛ من تلذذ بنعم الله تعالى، أو تعرف لذة ما وعد الله تعالى به في الدار الآخرة، أو تعريف النفس افتقارها وحاجتها إلى غيرها، أو الوقوف مع امتثال أمر الله تعالى، واجتناب نهيه، أو غير ذلك، والله أعلم.