للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما صرحت به الآية من تحريم نكاح الأخت على الأخت، ونكاح الربيبة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّها لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبتي في حَجْرِي، مَا حَلَّتْ لي، إِنَّها لاَبْنَهُ أَخِي مِن الرَّضَاعَةِ"؛ ومعناه: أنها حرام عليَّ بسببين: كونها ربيبة، وكونها بنت أخ، فلو فقد أحد السببين، حرُمت بالآخر.

وفي هذا الحديث أحكام:

منها: تحريم نكاح الأختين في عقد واحد، وعلى الترتيب، وهو محرَّم باتفاق العلماء، وأما بملك اليمين، فهو كذلك عند علماء الأمصار.

ونقل عن بعض الناس فيه خلاف، وقع الإجماع بعده على خلافه من أهل السنة، غير أن تحريم الجمع بينهما، إنما هو في وَطْئهما، لا في ملكهما؛ فإن ملكهما غير ممتنع اتفاقًا، قال الفقهاء: فإذا وَطئ إحداهما، لم يطأ الأخرى حتى تحرم الأولى ببيع أو عتق أو كتابة؛ لئلا يكون مستبيحًا لفرجيهما معًا.

ومنها: تحريم نكاح الربيبة، وهو منصوص عليه في كتاب الله تعالى، لكن يحتمل أمر أم حبيبة في سؤالها نكاح أختها معها: أنها لم يبلغها هذا الحكم من أمر نكاح الربيبة؛ حيث إن لفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشعر بتقدم نزول الآية "لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبتي في حَجْرِي، مَا حَلَّتْ لِي".

وقد يحتجُّ بذلك من يرى اختصاص الربيبة، بكونها في الحَجْر، وهو داود الظاهري؛ قال: فإن لم تكن في حجره أمها، فهي حلال له، وذلك موافق لظاهر قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: ٢٣]، ومذهب العلماء كافة سواه على التحريم مطلقًا، سواء كانت في حجر أم لا، وحملوا التخصيص على أنه خرج مخرج الغالب، وإذا كان كذلك، لم يبق له مفهوم يعمل به، فلا يقصر الحكم عليه.

قال العلماء: ونظيره قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: ١٥١] ومعلوم أنه يحرم قتلهم مطلقًا؛ لكنه قيد بالإملاق لأنه الغالب، ومثله قوله: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: ٣٣]، ومعلوم تحريم

<<  <  ج: ص:  >  >>