للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تقدَّم الكلام على أنس وأبي قلابة.

واعلم أن قول الصحابي: من السنة كذا، حكمه حكم المرفوع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا اختيار أكثر الأصوليين والفقهاء والمحدثين؛ قالوا: لأن الظاهر أنه ينصرف إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان يحتمل أن ذلك قاله عن اجتهاد رأي؛ ولهذا جعله بعضهم موقوفًا، ولكن الأظهر خلافه.

أَمَّا قولُ أَبي قِلابَةَ: "وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ: إِنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ" إلى آخره، يحتمل قول أبي قلابة أمرين:

أحدهما: أن يكون ظنَّ ذلك مرفوعًا لفظًا من أنس، فتحرز عن ذلك تورعًا.

والثاني: أن يكون ظنَّ قولَ أنس: من السنة، في حكم المرفوع، فلو شاء لعبر عنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده أنه في حكم المرفوع.

قال شيخنا أبو الفتح بن دقيق العيد - رحمه الله -: والأول أقرب؛ لأن قوله: من السنة، يقتضي أن يكون مرفوعًا بطريق اجتهادي محتمل. وقوله: إنه رفعه، نص في رفعه، وليس للراوي أن ينقل ما هو ظاهر محتمل، إلى ما هو نص غير محتمل (١).

وقال شيخنا أبو زكريا النواوي - رحمه الله تعالى -: معنى قوله: من السنة كذا: التصريح بالرفع؛ فلو شئت أن أقوله بناء على الرواية بالمعنى، لقلته، ولو قلته، كنت صادقًا. والله أعلم (٢).

فحينئذ؛ يرجع عدم تصريحه بالرفع إلى التورع.

وأما قول شيخنا أبي الفتح: إنه يقتضي أن يكون مرفوعًا بطريق اجتهادي محتمل، فهو صحيح إذا لم يكن اصطلاحهم في قولهم: من السنة كذا، صريحًا


= كتاب: الرضاع، باب: قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف، وهذا لفظ البخاري.
(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (٤/ ٤١).
(٢) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١٠/ ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>