للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال شيخنا أبو الفتح بن دقيق العيد القاضي - رحمه الله تعالى -: وأفرط بعض الفقهاء المالكية؛ فجعل مقامَهُ عندها عذرًا في ترك الجمعة، إذا جاءت في أثناء المدة. قال: وهذا ساقطٌ، منافٍ للقواعد؛ فإن مثل هذا من الآداب والسُّنَن، لا، يُترك له الواجب.

ولما شعر بهذا بعض المتأخرين، وأنه لا يصلح أن يكون عذرًا، توهم أن قائله يرى الجمعة فرض كفاية، وهو فاسد جدًّا؛ لأن قول هذا القائل متردد محتمل أن يكون جعله عذرًا. وأخطأ في ذلك، وتخطئته في هذا أولى من تخطئته فيما دلَّت عليه النصوص؛ من وجوب الجمعة على الأعيان. هذا آخر كلامه (١).

قلت: والكلام في أنَّ مقامَهُ عندها عذر في ترك الجمعة، ينبني على أن المقام عند البكر والثيب إذا كان له زوجة أخرى واجب أم مستحب؟

ومذهب الشافعي - رحمه الله تعالى - وأصحابِه وموافقيهم: أنه واجب، وهي رواية ابن القاسم عن مالك. وروى عنه ابن عبد الحكم: أنه على الاستحباب، فإذا قلنا: إنه واجب، وإنه حق للزوجة على الزوج، اقتضى ذلك أن يكون عذرًا في ترك الجمعة، كما يعذر في تركها مَنْ له قريب يخاف موته، ونحو ذلك.

كيف والجمعة في وجودها وحكمها إذا فاتت تُصلَّى ظهرًا، كيف وحقوق الآدميين إذا تعارضت مع حق الله تعالى قُدمت عليه، عند جماعة من العلماء.

وربما هو الراجح عند بعضهم، وإن أدى إلى ترك حق الله تعالى بالكلية؛ حيث إن حقه - سبحانه وتعالى - مبني على المسامحة، وحق الآدمي مبني على المشاحة، وينبغي أن يكون المقام عندها عذرًا في ترك الجمعة، إذا لم ترض بترك حقها، فأما إذا رضيت بتركه، فلا يكون عذرًا في تركها قطعًا.

وقد أخرج مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، معنى ترك الواجب


(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (٤/ ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>