للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: ٥٠].

ولمَّا كان العِتْق قربة محضة إلى الله تعالى، وأن القربة لا يجوز جعلها عوضًا من أعواض الدنيا، فإن الصَّداق مقابل بالعقد، مجردًا مع الموتِ أو بالاستمتاع بالعقد.

استشكل العلماء حديث صفية: "وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقها"، وقالوا: إنَّما سُمِّي العتق صداقًا على سبيل المجاز، وتزوَّجها - صلى الله عليه وسلم - بغير صداق على سبيل الخصوصية؛ حيث إن العِتْقَ قام مقام الصداق إن لم يكن ثم عوض غيره، وقيل: أعتقها وتزوجها على قيمتها، وكانت مجهولة، وكان ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: معناه أنه شرط عليها أن يعتقها ويتزوجها، فقبلت، فلزمها الوفاء به؛ لأن العقد وقع على النكاح، والعتق، ولا شك أن ظاهر الحديث يقتضي لزوم العقد على شرط ذلك، وصحة الصداق، وإن كان شرطه لا يجوز؛ لتشوف الشارع إلى العتق، فيصحُّ العِتْق لأجله، ولا يجوز شرطه لمخالفته. وهو قول جماعة: منهم: الزهري، والثوري، ونقل عن أحمد، وإسحاق -أيضًا-، قالوا: لا يجوز أن يعتقها على أن تتزوج به، ويكون عتقها صداقها، لكنه يلزمها ذلك، ويصحُّ الصداق.

لكن القياس يمنع ذلك؛ فحينئذ يتردد الحال بين ظن العمل بظاهر الحديث أو احتمال الخصوصية في الواقعة، وإن كانت على خلاف الأصل، ويتأنس في ذلك بما ذكرنا أولًا من كثرة خصائصه - صلى الله عليه وسلم - في النكاح، والله أعلم.

واختلف الفقهاء فيمن أعتق أَمَتَهُ على أن يتزوجها، ويكون عتقها صداقها، فقال الجمهور، منهم: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة: لا يلزمها أن تتزوج به، وهو إبطال للشرط.

قال الشافعي: فإن أعتقها على هذا الشرط، فقبلت، عتقت، ولا يلزمها الوفاء بأن تتزوجه، بل عليها قيمتها؛ لأنه لم يرض بعتقها مجازًا، وصار ذلك كسائر الشروط الباطلة، وما يلزم من الأعواض، لمن لم يرض بالمجاز، فإن

<<  <  ج: ص:  >  >>