للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: "وهو غائبٌ"؛ قد ذكرنا في ترجمته أنه كان غائبًا مع علي - رضي الله عنه - باليمن، وذكرنا: أنه مات هناك، وأنه واجه عمر - رضي الله عنه - بكلام في حقِّ خالد بن الوليد، لمَّا عزله بالجابية، ويلزم من ذلك رجوعه من اليمن، فلعلَّه رجع إليه، ومات به، والله أعلم.

وقولُه: "فَأَرْسَلَ إلَيهَا وَكِيُلُه بِشَعِيرٍ"؛ وكيلُه: مرفوعٌ على أنه هو المُرسِل، ويحتمل أن يكون منصوبًا، ويكون الضمير في (وكيله) عائدًا على أبي عمر بن حفص، ويكون: (وكيله) مُرسَلًا من جهته بالشعير إليها.

وقولُه: "فَسَخِطَتْهُ"، معناه: كرهته ولم ترض به.

وقولُه: "فَأَمَرَهَا أَن تَعْتَدَّ في بيتِ أمِّ شَرِيكٍ"، ثمّ قال: "تِلْكَ امْرأَةٌ يَغشَاهَا أَصْحَابِي"؛ معناه: أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يزورون أمَّ شريك، ويُكثرون التردُّدَ إليها؛ لكثرة صَلاحِها، فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن على فاطمة من الاعتداد عندها حَرَجًا؛ من حيث إنَّه يلزمها التحفظ من نظرهم إليها، ونظرها إليهم، وانكشاف شيء منها. وفي التحفظ من هذا مع كثرة دخولهم وتردُّدِهم مشقَّةٌ ظاهرة، فأَمرها بالاعتداد عند ابنِ أُمِّ مكتوم؛ لأنَّهُ لا يُبصرها، ولا يتردَّدُ إلى بيته مَنْ يتردَّد إلى بيتِ أم شريك، ولا يلزم من إذنه لها - صلى الله عليه وسلم - بالاعتداد في بيته، الإذنُ لها في النظر إليه، بل فيه: أنها تأمن عنده من نظر غيره إليها، وهي مأمورة بِغضِّ بصرها، فيمكنها الاحتراز عن النظر بلا مشقة؛ بخلاف مكثها في بيت أم شريك.

قال شيخنا أبو الفتح بن دقيق العيد -رحمه الله تعالى-: وهذا القول إعراض عن التعليل بعمى ابن أم مكتوم، وكان يقوى لو تجرد الأمر بالاعتداد عنده عن التعليل بعماه، وما ذكر من المشقة موجود في نظرها إليه، مع مخالطتها له في البيت، ويمكن أن يقال: إنه إنما علل بالعمى، كونها تضع ثيابها من غير رؤيته لها، فحينئذ يخرج التعليل عن الحكم باعتدادها عنده، والله أعلم (١).


(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (٤/ ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>