للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي هذا الحديث أحكام:

منها: جواز إيقاع الطلاق الثلاث دفعة؛ لعدم إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - في رواية: طلَّقها ثلاثًا. وفيه الاحتمال الظاهر في كونه أوقع عليها طلقة، هي آخر الثلاث كما تقدم.

ومنها: أنه لا نفقة للمطلَّقة البائن الحائل، ولا سكنى.

وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال ابن عباس - رضي الله عنهما -، وأحمد بن حنبل بظاهر هذا الحديث، وأوجب النفقةَ والسكنى: عمرُ بن الخطاب، وأبو حنيفة، وأوجب مالك، والشافعي، وآخرون السكنى دون النفقة؛ لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦].

وأما سقوط النفقة، فأخذوه من المفهوم في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: ٦]، فمفهومه: أنه إذا لم يكنَّ حوامل، لا ينفق عليهن.

وقد تورعوا في تأول الآية للبائن، في قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: ٦] ويحتاج من قال: لها السكنى إلى الاعتذار عن حديث فاطمة هذا، فمنهم من اعتذر بما حكي عن سعيد بن المسيب وغيره: أنها كانت امرأة لَسِنة، واستطالت على أحمائها، فأمرها بالانتقال، وقيل: لأنها خافت في ذلك المنزل، وقد روى مسلم في "صحيحه": أنها قالت: أخاف أن يقتحم علي (١)، وساق الحديث على خلاف هذين التأويلين، فإنه يقتضي أن سبب اختلافها مع الوكيل، وسخطها الشعير، وذكر الوكيل أن لا نفقة لها، حتى حملها ذلك على سؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وجوابه لها بعدم النفقة عليه: أن ذلك الاختلاف سبب لبيان عدم وجوب النفقة، لا ما ذكر من الاعتذار، فإن قام دليل أقوى من هذا وأرجح، عمل به، وأما عمر - رضي الله عنه -، فقال: لا ندع كتابَ ربِّنا وسنَّة نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، بقول امرأة جهلت أو نسيت (٢).


(١) رواه مسلم (١٤٨٢)، (٢/ ١١٢١)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.
(٢) رواه مسلم (١٤٨٠)، (٢/ ١١١٨)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>