وذلك جميعه دليل على أن أفلح عمها، وأبا القعيس أبوها، وأن أمه أرضعت عائشة - رضي الله عنها -، وأنهما لم يكونا أخوين لأبي بكر من الرضاع.
وذكر بعضهم: أن عم أبيك من الرضاع عمك.
قلنا: صحيح لو لم تذكر عائشة عن أفلح: ليس هو أرضعني، وإنما أرضعتني امرأة أبي القعيس، فدل على صحة ما ذكرناه، والله أعلم.
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تَرِبَتْ يَمينك"؛ فمعناه: افتقرت، والعرب تدعو على الرجل؛ ولا تريد وقوع الأمر به. يقال: ترب الرجل: إذا افتقر، وأترب: إذا استغنى (١).
في الحديث دليل: على ثبوت حكم الرضاع بين الرضيع وبين الرجل المنسوب إليه ذلك اللبن، وأن الحرمة تنتشر إلى أولاده وإخوته وأخواته، فيصير أولاد الرجل إخوة الرضيع، وإخوته وأخواته أعمامه وعماته، وتكون الدلالة من باب التنبيه بالأبعد على الأدنى؛ فإن الإخوة أبعد من الأولاد، فإذا كان الأبعد أذن له في الدخول، وحرم عليه النكاح، فالأقرب بطريق الأولى، وتقدم الاختلاف فيه.
وهذا مذهب العلماء كافة، إلا اليسير منهم؛ كعائشة، وابن عمر، وابن الزبير، وأهل الظاهر، وابن بنت الشافعي. وقيل: لم يصح عن عائشة.
قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: نشر الحرمة إلى الفحل خارج عن القياس؛ فإن اللبن ليس ينفصل منه، وإنما ينفصل منها؛ للحديث، والله أعلم.
وفيه دليل: على أن من ادعى رضاعًا، وصدقه الرضيع، ثبت حكم الرضاع بينهما من غير إقامة بنية؛ لأن أفلح ادعاه، وصدقته عائشة - رضي الله عنها -، وأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك.
وفيه دليل: على أن من جهل شيئًا من حكم الشرع، لا يفعل شيئًا من تلبس