للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الخطابي، وغيره: وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابسِ، قال: والعوام في كثير من البلاد يجعل الخوص في قبور موتاهم، كأنهم ذهبوا إلى هذا، وليس لفعلهم وجهٌ، هذا آخر كلامه (١).

وقد ذكر البخاريُّ في "صحيحه": أنّ بُريدة بنَ الحصيبِ الصَّحابي - رضي الله عنه - أوصى: أن يجعل في قبره جريد (٢)؛ فلعلَّه تبرك بفعل يُفْعَل مثل فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقيل: لعله - صلى الله عليه وسلم - أوحي إليه بذلك، وقيل: بل إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو لهما مدة رطوبتهما.

واعلم أن العلماء اختلفوا في تسبيح اليابس:

فقال كثيرون، أو الأكثرون من المفسرين: لا يسبح، في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤]، قالوا معناه: وإن من شيء حي، ثمَّ قالوا: فحياة كل شيء بحسبه؛ فحياة الخشب ما لم ييبس، والحجر ما لم يقطع.

وذهب المحققون من المفسرين إلى أنه: على عمومه، ثمَّ اختلف هؤلاء؛ هل يسبح حقيقة، أم تسبيحه أن فيه دلالةً على الصَّانع؛ فيكون مسبحًا منزِّهًا، بصورة حاله.

والمحققون: على أنه يسبح حقيقة، وقد أخبر الله -سبحانه وتعالى-: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: ٧٤] فإذا كان العقل لا يحيل جعلَ التمييز فيها، وجاء النص به؛ وجبَ المصيرُ إليه.

واستحب العلماء من هذا الحديث: تلاوة القرآن عند القبر، قالوا: لأنه اذا


(١) انظر: "معالم السنن" للخطابي (١/ ٢٧).
(٢) رواه البخاري في "صحيحه" (١/ ٤٥٧) معلقًا، ووصله ابن حجر في "تغليق التعليق" (٢/ ٤٩٢). ورواه موصولًا أيضًا: ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٧/ ٨)، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>