وقوله:"فقامَ رجلٌ من أهلِ اليمن، يُقال له: أبو شاهٍ، فقال: يا رسول الله! اكتبوا لي":
أما أبو شاه: فهو بهاء تكون هاءً في الوقف والدَّرْج، ولا يقال بالتاء، وصحفه بعض الفضلاء والمتأخرين، فقاله: وبالهاء المنطوق بها تاء وقفًا ووصلًا؛ كشاة الغنم، وأنكر عليه. قال العلماء بالكنى: ولا يعرف اسم أبي شاه هذا، وإنما يعرف بكنيته (١).
والذي أراد أبو شاه كتابته: هو خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة بمكة.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: تذكير الناس في المجامع والفتوحات بأيام الله تعالى، وما من به فيها من الآيات البينات، وتعليمهم الأحكام الشرعيات.
ومنها: استدلال بعضهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وسَلطَ عليها رسولَه والمؤمنين" على أن فتح مكة كان عنوة، وقد تقدم ذلك، والكلام عليه.
ومنها: أن ولي القتيل بالخيار بين أخذ الدية وبين القتل، وأن له إجبار الجاني على أي الأمرين شاء ولي القتيل، وبه قال سعيد بن المسيب، وابن سيرين، والشافعي وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وقال مالك: ليس للولي إلا القتل أو العفو، وليس له الدية إلا برضا الجاني، وهو خلاف نص هذا الحديث.
ومنها: أن القاتل عمدًا يجب عليه أحد الأمرين من القصاص أو الدية؛ وهو أحد القولين للشافعي، والثاني: أن الواجب القصاص لا غير، وإنما تجب الدية بالاختيار، فليس للولي أخذها بغير رضا القاتل، وتظهر فائدة الخلاف في صورتين:
منها: عفو الولي عن القصاص، إن قلنا: إن الواجب أحد الأمرين، يسقط
(١) وانظر ترجمته في: "الاستيعاب" لابن عبد البر (٤/ ١٦٨٧)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (٧/ ٢٠٢).