ولا شك أن معظم السلف في الصدر الأول لم يمتنعوا منه، وإنما كان ذلك لعلمهم يقينًا أو ظنًّا بالقيام به، ووجودِ المعين للحق في الحق.
ومعظم السلف من الصدر الثاني والثالث امتنعوا منه، وتحيلوا على الامتناع منه، حتَّى بأسباب توهم الجنون أو قلة المروءة؛ لما علموا في توليته من الخطر العظيم، وعدم براءة الذمة فيه، فارتكبوا أمرًا مباحًا، وخلاف الأولى؛ للخلاص من المحرم أو المكروه.
وقد اعتمد الفقهاء مثل ذلك في أحكام كثيرة في أبواب من العلم يطول ذكرها، والله أعلم.
والسلامة لا يعدلها شيء في الدنيا والآخرة، وثنيات الطرق لا تسلك، فإنَّها مفضية إلى الهلاك حسًّا، والله أعلم.
ومنها: لطف الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالعبد فيما قضاه وقدره وأوجبه عليه بالإعانة على إصابة الصواب في فعله وقوله: لطفا وتفضلًا زائدًا على مجرد التكليف والهداية، وتحديد ذلك له.
فإنَّه لما كان خطر الولايات عظيمًا بسبب أمور خارجة عنه، كان طلبها تكلفًا ودخولًا في غرر عظيم، فهو جدير بعدم العون.
ولما كانت إذا أتت عن غير مسألة، ولم يكن فيها تكلف، كانت جديرة بالعون على أعبائها وأثقالها، دل ذلك جميعه على لطف الله تعالى بالعبد وفضله عليه في كل أمره، والله أعلم.
فهذا ما يتعلق به الحديث من ذلك، وهذا الكلام داخل في علم الأصول، ويكفي ما أشرنا إليه فيه.
واعلم أن من نظر إلى ما تعلق به من أوامر الشرع ونواهيه في الولاية وغيرها، وعلم أنَّه مسؤول عن الفتيل، والكثير والقليل، وأنه يؤتى يوم القيامة بمثقال حبَّة من خردل، علم أن ترك الولاية وقطع العلائق أولى به، واقتصر على ما لا بد منه ضرورة.