للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال القاضي عياض -رحمه الله-: والذي ينفهم من ترجمة البُخَارِيّ وما ذكره في الباب من القرآن والآثار: أنَّه يجوز استعمال لو ولولا فيما يكون من الاستقبال مما امتنع من فعله لا متناع غيره، وفيما هو من باب الممتنع فعله لوجود غيره، وهو من باب لولا؛ لأنه لم يدخل في الباب سوى ما هو للاستقبال، أو ما هو حق صحيح مستيقن؛ كحديث: "لولا الهجرةُ لكنتُ امرأً من الأَنصار" (١)، دون الماضي والمنقضي، أو ما فيه اعتراض على الغيب والقدر السابق (٢).

وقد ثبت في الحديث الصحيح قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "ولو أصابَكَ شيءٌ فلا تقلْ: لو أَنِّي فعلتُ كذا لكانَ كذا، ولكنْ قلْ: قَدَّرَ اللُّهُ وما شاءَ فعلَ" (٣).

قال القاضي: قال بعض العلماء: هذا إذا قاله على جهة الحتم والقطع بالغيب، أنَّه لو كان كذا، لكان كذا من ذكر مشيئة الله تعالى، والنظر إلى سابق قدره، وخفي علمُه علينا، فأما إذا قاله على التسليم، وردَّ الأمرَ إلى المشيئة، فلا كراهة فيه.

قال القاضي: وأشار بعضهم إلى أن (لولا) بخلاف (لو)، قال القاضي: والذي عندي أنهما سواء إذا استعملتا فيما لم يُحط به الإنسانُ علمًا، ولا هو داخل تحت مقدور قائلهما؛ مما هو يحكم على الغيب، أو اعتراض على القدر؛ كما نبه عليه في الحديث. ومثل قول المنافقين: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران: ١٦٨] و {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} [آل عمران: ١٥٦]، و {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ} [آل عمران: ١٥٤]، فرد الله عليهم باطلهم، فقال: {فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:١٦٨]، فمثل هذا هو المنهي عنه، أما هذا الذي نحن فيه، فإنما أخبر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فيه عن يقين نفسه: أن


(١) تقدم تخريجه.
(٢) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١١/ ١٢٢)، و "فتح الباري" لابن حجر (١٣/ ٢٢٨).
(٣) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>