للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "بأكبرِ الكبائر"؛ فهو قال على عظم الذنوب، وأنها تنقسم في ذلك إلى كبير وأكبر، ويلزم من ذلك انقسامها إلى صغائر وكبائر؛ فإن (أفعل) التفضيل يدل على وجود مفضول غالبًا، وهو قسمان؛ فعيل، وفعيل يدل على ما دونه، وهو الصغائر، وهو القسم الثاني، ويدل على ذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: ٣١].

ولا شك أن الكلام في ذلك على نوعين:

أحدهما: في درجاتها.

والثاني: في انحصارها في أعدادها وعدم قسيم لها.

أما الأول، فلا شك في وجوده في السنة، وقد ذكره العلماء.

قالوا: أكبر المعاصي: الشرك بالله تعالى، ويليه: قتل النفس بغير حق، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزالُ ابنُ آدمَ في فسحةٍ من دينه، ما لم يُصِبْ دمًا حراما" (١).

قال الشافعي -رحمه الله- في "مختصر المزني": أكبر الكبائر بعد الشرك: القتل، واتفق أصحابه على ذلك، وأما ما سواها من الزنا واللواط وعقوق الوالدين، والسحر، وقذف المحصنات، والفرار يوم الزحف، وأكل الربا، وغير ذلك من الكبائر، فلها تفاصيل وأحكام تعرف بها مراتبها، ويختلف أمرها باختلاف الأحوال والمفاسد المترتبة عليها. وعلى هذا، يقال في كل واحدة منها: هي من أكبر الكبائر، وإن جاء في موضع: هي أكبر الكبائر؛ كقوله في هذا الحديث: "وعقوق الوالدين"، كأن المراد: من أكبر الكبائر؛ كما يقال في أفضل الأعمال (٢).

وقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كل ما نهى الله - عَزَّ وَجَلَّ - عنه، فهو كبيرة (٣).


(١) رواه البخاري (٦٤٦٩)، كتاب: الديات، في أوله، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(٢) انظر: "شرح مسلم" للنووي (٢/ ٨١).
(٣) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (٥/ ٤٠)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٢٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>