للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الإِمام أبو الحسن الواحدي المفسر، وغيره: الصحيح: أن حد الكبيرة غير معروف، بل ورد الشرع بوصف أنواع من المعاصي بأنها كبائر، وأنواع بأنها صغائر، وأنواع لم توصف، وهي مشتملة على كبائر وصغائر.

والحكمة في عدم بيانها: أن يكون العبد ممتنعًا من جميعها؛ مخافة أن تكون من الكبائر.

قال العلماء: وهذا شبيه بإخفاء ليلة القدر، وساعة يوم الجمعة، وساعة إجابة الدعاء في الليل، واسم الله الأعظم، ونحو ذلك مما أُخفي، والله أعلم.

قالوا: والإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة (١).

وروي عن عمر، وابن عباس، وغيرهما -رضي الله عنهم-: لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار (٢)؛ ومعناه: أن الكبيرة تُمحى بالاستغفار، والصغيرة تصير كبيرة بالإصرار.

قال أبو محمَّد بن عبد السلام -رحمه الله-: الإصرار هو أن تتكرر منه الصغيرة تكررًا يشعر بقلة مبالاته بذنبه إشعارَ ارتكاب الكبيرة بذلك. قال: وكذلك إذا اجتمعت صغائر مختلفة الأنواع؛ بحيث يشعر مجموعها ما تشعر به أصغر الكبائر (٣).

وقال أبو عمرو بن الصلاح -رحمه الله تعالى-: المصرُّ: مَنْ تلبس من أضداد التوبة باستمرار العزم على المعاودة، أو باستدامة الفعل؛ بحيث يدخل به ذنبه في حيز ما يطلق عليه الوصف، بصيرورته كبيرًا عظيمًا, وليس لزمان ذلك وعدده حصر، والله أعلم (٤).


(١) انظر: "شرح مسلم" للنووي (٢/ ٨٦).
(٢) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (٥/ ٤١)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٣/ ٩٣٤)، عن ابن عباس، موقوفًا عليه من قوله. ورواه الشهاب القضاعي في "مسنده" (٨٥٣)، عن ابن عباس مرفوعًا.
(٣) انظر: "قواعد الأحكام" للعز بن عبد السلام (١/ ٢٢ - ٢٣).
(٤) انظر: "فتاوى ابن الصلاح" (١/ ١٤٨ - ١٤٩). =

<<  <  ج: ص:  >  >>