تصديق المدعى عليه. وإن طلب يمين المدعى عليه، فله ذلك، وإن غلب على الظن صدق المدعي، وقد بيَّن - صلى الله عليه وسلم - الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه أنه لو أعطي بها, لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، واستبيح ذلك، ولا يمكن المدعى عليه أن يصون ماله ودمه، وأما المدعي: فيمكنه صيانتها بالبينة.
وفي هذا الحديث دليل لمذهب الشافعي وجمهور العلماء من سلف الأمة وخلفها أن اليمين على المدعى عليه مطلقا في كل حق، سواء كان بينه وبين المدعي اختلاط، أم لا.
وقال مالك وجمهور أصحابه وفقهاء المدينة السبعة: إن اليمين لا تتوجه إلا على من بينه وبينه خلطة؛ لئلا يبتذل السفهاء أهل الفضل بتحليفهم إياهم مرارًا في اليوم الواحد، فاشترطت الخلطة؛ دفعًا لهذه المفسدة.
واختلفوا في تفسير الخلطة؛ فقيل: هي معرفته بمعاملته ومداينته بشاهد أو بشاهدين، وقيل: تكفي التشبهة، وقيل: هي أن تليق به الدعوى أن يعامله بمثلها على مثله، وقيل: أن تليق به أن يعامله بمثلها.
وهذا كله من التصرفات بالتخصيصات لعموم الحديث، ولا أصل لاشترطها في كتاب ولا سنة ولا إجماع. ومن تصرفاتهم أيضًا: أن من ادعى شيئًا من أسباب القصاص، لم تجب به اليمين إلا أن يقيم على ذلك شاهدًا، فيجب اليمين.
ومنها: إذا ادعى الرجل على امرأته نكاحا، لم يجب له عليها اليمين في ذلك.
ومنها: أن بعض الأمناء ممن يجعل القول قوله، لا يوجبون عليه يمينًا.
ومنها: دعوى المرأة الطلاق على الزوج لا تجب عليه اليمين، وكل من خالفهم في شيء من ذلك يستدل عليهم بعموم هذا الحديث، والله أعلم.