الحمى؛ خوفًا من الوقوع في عقوبته، فكذلك لله تعالى حمى، وهو محارمه التي حرمها، التي هي المعاصي؛ كالقتل والزنا والسرقة والقذف والخمر والكذب والغيبة والنميمة، وأكل المال بالباطل، وأشباه هذا، فكل هذا حمى الله تعالى، من دخله باعتقاد حله، أو ارتكابه من غير اعتقاد حله، استحق العقوبة، ومن قارب، أوشك أن يقع فيه. ومن احتاط لنفسه بعدم المقاربة لشيء من الاعتقاد أو أسباب المعصية، لم يدخل في شيء من الشبهات، ويسمى هذا العدم: عدم الاستدراج.
ولا شك أن النفس مركز الشيطان وميدان الأحزان، فتستدرج الإنسان من المباحات إلى المكروهات، ومن المكروهات إلى المحرمات، استدراجا لطيفا على حسب قوة الإنسان وضعفه في إيمانه ويقينه وشهوته، فينبغي للعبد أن يراقب ذلك، ويقطع الأسباب الحاملة عليه، ونسأل الله تعالى التوفيق والتسديد والإعانة، ولا بد في ذلك جميعه من توقفٍ تقي يؤمن باللهِ واليوم الآخر، وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام".
وقد ذكروا فيه احتمالين، وهما وجهان ذكرهما العلماء:
أحدهما: أنه من كثر تعاطيه الشبهات، فإنه يصادف الوقوع في الحرام، وإن لم يتعمده، وقد يأثم بذلك إذا نسب إلى تقصير في المراقبة للخلاص منه.
والثاني: أنه من كثر تعاطيه الشبهات، اعتاد التساهل، وتمرن عليه، فيجسُرُ بفعل الشبهة على فعل شبهة أغلظ منها، ثم أخرى أغلظ، وهكذا حتى يقع في الحرام عمدًا، وهذا نحو قول السلف: المعاصي بريد الكفر؛ أي: تسوق إليه، عافانا الله أجمعين من الشر.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك أن يرتع فيه"؛ يقال: أوشك يوشك -بضم الياء وكسر الشين-؛ أي: يشرع ويقرب.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كالراعي يرعى حول الحمى"؛ هذا من باب التمثيل والتشبيه.
والحمى: المحمي: أطلق المصدر على اسم المفعول، والمحارم تطلق على