للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنع على الإباحة، لكنه قد يكون الشيء مكروهًا بالنسبة إلى تنقيص الثواب في الآخرة، لا للإذن فيه في الدنيا.

ومثل هذا في أحكام الدنيا امتناعُ الملائكة من دخول البيت الذي فيه صورة، مع الإذن في جواز افتراش الذي فيه الصورة؛ جلوسًا ونومًا وحذاء.

وكذلك من يُجوِّز شرب الخمر للتداوي؛ فإن مقتضى الحديث منعُ من شربها في الآخرة مطلقًا، له ولغيره.

وبالجملة، فالكراهة لهن غير بعيدة، ولو لم تكن لشيء إلا لكون الخلاف قد حكي في تحريمه عليهن قبل الإباحة.

كيف وقد روى النَّسائيُّ بإسناد حسن عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمنع أهله الحلية والحرير، ويقول: "إن كنتم تحبون حِلْيَةَ الجنةِ وحريرَها، فلا تَلْبَسوها في الدنيا" (١).

وهذا يقوي ما فهمه ابن الزبير من المنع، والإجماع مع الأحاديث الصحيحة يمنع التحريم عليهن، فيحملى حديث عقبة بن عامر، ومنعُ ابن الزبير وغيره: على كراهة التنزيه؛ جمعًا بين الأدلة، والله أعلم.

وفي هذا الحديث دليل: على تحريم مطلق الحرير، وهو محمول عند جمهور العلماء على الخالص منه في حق الرجال، والنهي عندهم للتحريم.

والممتزج بغيره اختلف الفقهاء فيه اختلافًا كثيرًا:

فمنهم: من منعه مطلقًا للرجال؛ لأجل مسمى الحرير، إلا فيما خرج عنه بالإجماع، فيحل، ويبقى فيما عداه على التحريم.

ومنهم: من اعتبر في التحريم الغلبة، فمنهم من اعتبرها بالظهور وفي الرؤية؛ كالعتابي؛ فإن الظهور فيه أغلب من الوزن، والله أعلم.


(١) رواه النَّسائيُّ (٥١٣٦)، كتاب: الزينة، باب: الكراهية للنساء في إظهار الحلي والذهب، والإمام أحمد في "المسند" (٤/ ١٤٥)، وابن حبان في "صحيحه" (٥٤٨٦)، والحاكم في "المستدرك" (٧٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>