للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤد الأمانة المأمور بها؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في "صحيح مسلم" في رواية من هذا الحديث: "ولا غادِرَ أعظمُ غدْرًا من أميرِ عامَّةٍ" (١).

ويحتمل أنه ورد في نهي الرعية عن الغدر بالإمام، فلا يشقوا عليه العصا، ولا يتعرضوا لما يخاف حصول فتنة بسببه، وإذا صدر من الأئمة والولاة ما يشق عليهم، صبروا عليهم ما أقاموا الصلاة فيهم، كما ثبت في الصحيح. ولهذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)} [النساء: ٥٩]، والله أعلم.

وفي الحديث دليل: على غلظ تحريم الغدر من صاحب الولاية العامة وغيره؛ لأنه غدره يتعدَّى ضرره إلى خلق كثير، ولأنه غير مضطر إلى الغدر؛ لقدرته على الوفاء، كما ثبت في الحديث الصحيح: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثةٌ لا يكلِّمُهم اللهُ يومَ القيامة ولا يُزَكِّيهم ولهم عذابٌ أليم: ملكٌ كذاب، وشيخٌ زانٍ، وعائلٌ مستكبِرٌ" (٢).

ولا شك أن الغدر في الحروب والاغتيال فيها وغيرها، ممنوع شرعًا، خصوصًا إن تقدم ذلك عهد أو أمان، وقلنا: إن الدعوة إلى الإسلام واجبة قبل القتال، وذلك كله متعلق بالإمام.

ولفظ الحديث عام في الإمام وغيره، لكن غدر الإمام أعظم، ولهذا عوقب الغادر بالفضيحة العظمى.

وفيه دليل: على شهر الناس، والتعريف بهم في القيامة، لكنه بالنسبة إلى أمهاتهم.


(١) رواه مسلم (١٧٣٨)، كتاب: الجهاد والسير، باب: تحريم الغدر، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٢) رواه مسلم (١٠٧)، كتاب: الإيمان، باب: بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>