للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنَّما زَجَرَ النَّاسُ الأعرابيَّ؛ لكونهم اعتقدوه منكرًا، فبادروا إلى منعه لما فيه من تنزيه المسجد عن الأنجاس، لكنَّه فاتهم النظر إلى أنَّ منعه، وقطعه عليه يؤدي إلى الضرر به، وزيادة التنجيس لمكان آخر من المسجد؛ فلهذا نَهاهم - صلى الله عليه وسلم - عن زجره، بخلاف ما إذا تركه حتى يفرغ؛ فإنَّ الرشاش لا ينتشر.

وفي هذا الحديث: نجاسةُ بول الآدمي، وهو مجمَعٌ عليه، ولا فرق فيه بين الصغير والكبير؛ لكنَّ بولَ الصغير فيه النضحُ، وتقدم بيانه.

وفيه: احترامُ المسجد، وتنزيهُه عن الأقذار.

وفيه: أَنَّ الأرضَ تطهُرُ بصبِّ الماء عليها؛ ولا يشترط حفرُها، ونقلُ التراب، وهذا مذهب الشافعي، والجمهور.

وقال أبو حنيفة - رحمه الله -: لا تطهر إلا بحفرها.

وفيه: مكاثرةُ الأرضِ النجسةِ بالماء، وأنَّه لا يتحدَّد بشيء، قيل: إنَّه يكون سبعة أمثال البول.

وفيه: أنَّ الماء إذا كان واردًا على النجاسة؛ طهرها، وأنَّه لا يشترط العصر؛ بل يكفي نضوبُ الماء.

وفيه: الرفق بالجاهل في التعليم؛ وأنَّه لا يُؤْذَى، ولا يُعَنَّفُ إذا لم يأت بالمخالفة استخفافًا وعنادًا.

وفيه: دفعُ أعظمِ الضررين باحتمال أخفِّهما؛ لأنَّ البول في المسجد مفسدة، وزجره؛ لقطعه عليه، وضرره، وتعديد مواضع التنجيس في بدنه، وموضعه؛ مفسدةٌ أكثر من الأولى، فاحتمل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ ترجيحًا لأخف المفسدتين على أعظمهما، والله أعلم.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>