فاعلم أنه: ليس الصاع؛ مذكورًا لبيان أقل ما يكفي من الماء في الغسل. وقد أجمع العلماء على أن الماء المجرى في الوضوء، والغسل، غير مقدر؛ بل يكفي فيه القليل، والكثير؛ ممَّا يسمى غسلًا، ووضوءًا، إذا وجد الإسباغ بجريانِ الماء على الأعضاء؛ فمتى حصل ذلك، تأدَّى الواجب؛ وإن لم يَبُلُّ الثرى.
قال الشَّافعي - رحمه الله -: وقد يُرْفَق بالقليل؛ فيكفي، ويُخْرَق بالكثير؛ فلا يكفي (١).
لكن قال العلماء: والمستحبُّ ألا يَنْقُصَ ماءُ الغسلِ عن صاعٍ، ولا ماءُ الوضوء عن مُدٍّ، وقد تقدم مقدارهما، والاختلاف فيه.
وهذا الحديث أحدُ ما يدلُّ على الصاع، وقد دلت الأحاديث في "سنن أبي داود"، وغيره على مقادير مختلفة، وذلك - والله أعلم -؛ لاختلاف الأوقات، والحالات؛ وهو دليل على عدم التحديد فيه.
وأجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء؛ لو كان على شاطئ البحر، وهل النهي للتحريم، أو لكراهة التنزيه؟ وجهان لأصحاب الشافعي، أظهرهما: للتنزيه، والثاني: للتحريم، والله أعلم.
وفي الحديث:
بيان ما كان عليه الصحابة، وغيرُهم من العلماء من رجوعهم إلى أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأفعاله، وحالاته؛ فإنَّ جابرًا - رضي الله عنه - لما كان عنده آلُ عليِّ بن أبي طالب، وسألوه عن الغسل، وأجابهم بالصاع؛ فأجابه أحدهم بعدم الكفاية، فردَّ عليه جابر بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحاله، [وأنه - صلى الله عليه وسلم -أوفى منه شعرًا، فأفحمه، ورجع إليه.