رواية ابن مسعود:"مَلأَ اللهُ أجوافَهم وقبورَهم نارًا، أو: حَشَا اللهُ أجوافَهم وقبورَهم نَارًا"، فقد يُستدلُّ بالحديثِ الثاني من رواية ابن مسعود: على منع الرواية بالمعنى؛ حيث تردد بين اللفظيين: ملأَ، وحشا، ولم يقتصر على أحدهما، مع تقاربهما في المعنى، لكن بينهما تفاوتًا، فإن قوله:"حَشَا الله"؛ يقتضي: التراكمَ، وكثرةَ أجزاء المحشو ما لا يقتضيه: ملأ.
وقد قيل: إن شرطَ الرواية بالمعنى: أن يكون اللفظان مترادفين، لا ينقص أحدُهما عن الآخر، لكن الأولى الروايةُ باللفظ، وإن جَوَّزْنا الرواية بالمعنى؛ فلعل ابنَ مسعود قصدَ الأفضلَ الأولى متحريًا له.
وقوله:"ثُمَّ صَلَّاهَا بينَ المَغْرِبِ والعِشَاء"؛ فيه كلامان:
أحدهما: أن تأخيره للعصر، وإخراجها عن وقتها، هل كان عمدًا أو سهوًا؟ فيه احتمالان:
فمن قال: عمدًا؛ جعل شغل العدو لهم عذرًا في تأخيرها عن وقتها، وقال: كان هذا قبل نزول صلاة الخوف، وأما بعد نزولها، وإلى الآن؛ فلا يجوز تأخيرها، بل تُصلى على حسب حالة شدة الخوف على ما هو معروف من أنواعها عند العلماء.
ثم الذي وقع في "الصحيحين": أَن المؤخرَ صلاةُ العصرِ، وظاهرُه أنَّه لم يفتْ غيرُها.
وفي "الموطأ": أنها صلاةُ الظهرِ، والعصرِ (١).
وفي غيره: أَنَّه أَخَّرَ أَربعَ صلواتٍ: الظهرَ، والعصرَ، والمغربَ، والعشاء، حتى ذهب هُوِيٌّ من الليل.
وطريق الجمع بين هذه الروايات: أن وقعة الخندق بقيت أيامًا، فكان هذا في بعض الأيام، وهذا في بعضها، والله أعلم.