للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أخرها قصدًا؛ لتطويل مدة الانتظار؛ فإن العبد في صلاة ما دام ينتظر الصلاة.

وقوله: "فَخَرجَ ورَأْسُهُ تقْطُرُ"؛ أي: شَعْرُ رَأْسه يَقْطُرُ؛ لكون القطر إنما يكون من الشَّعْر لا من الرأس، فعبر عنه مجازًا لنيابة فيه، وكان ذلك من أثر اغتساله - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل أنه من أثر الوضوء، وهو بعيد، والله أعلم.

وأما أحكامه:

ففيه دليل على: تتبع أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأحواله، وأقواله، ونقلها إلى أمته، وأنها كلها شرع يُقْتَدى به.

وفيه: تأخيرُ صلاة العشاء، وأنه مستحبٌّ، لكن هل هو أفضل، أم التقديم، أم يختلف باختلاف الأحوال والأزمان؟ فيه أقوال للعلماء تقدمت.

ظاهر هذا الحديث: أَن التأخيرَ أفضلُ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - عليه بهذا اللفظ، وأن الغالب كان تقديمها.

وبه استدلَّ من قال بتفضيل التقديم، وقال: لو كان التأخير أفضل؛ لواظَبَ عليه، وإن كان فيه مشقة، والحكمة في تركه: خشيةَ أَنْ يُفْرضَ عليهم، أو يتوهموا إيجابه؛ كتركه - صلى الله عليه وسلم - صلاة التراويح، وتعليله إياه: بخشية افتراضها، والعجز عنها، وأجمع العلماء على استحبابها؛ لزوال العلة التي خيف منها، وهذا المعنى موجود في العشاء، فيكون التأخير الآن أفضل.

وفيه: تنبيهُ التابعِ المتبوعَ على أمرٍ يجري على خلاف المعتاد؛ ليتعرف حكمته، أو أنه غفل عنه، ونحو ذلك.

وفيه: أنه يستحب للعالم، أو الإمام: أن يعتذر إلى أصحابه إذا تأخر عنهم، أو جرى منه ما يظن أنه يشق عليهم، ويقول لهم وجه المصلحة فيه.

وفيه دليل على: أن الأمر للوجوب.

وفيه: شرعية النظر في أمر الضعفاء؛ كالنساء، والصبيان، ونحوِهم أكثرَ من غيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>