للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكى القاضي عياض -رحمه الله-، عن الحسن البصري: وجوبهما.

والصواب: أنهما سنة، غيرُ واجبتين؛ لقول عائشة - رضي الله عنها -: "على شيءٍ من النوافلِ"، مع تصريحه - صلى الله عليه وسلم -: بعدمِ وجوب غير هذه الصلوات الخمس، وقولِ السائل له: هل عليَّ غيرها؟ قال: "لا، إلَّا أن تَطَوَّعَ" (١).

وقد اختلف أصحاب الشافعي -رحمهم الله- في أفضل التطوع، الذي لا تشرع له الجماعة؛ على وجهين: أحدهما: سنة الصبح، والثاني: الوتر، وتمسكوا في أفضلية ركعتي الفجر؛ بهذين الحديثين، من المواظبة عليهما، وكون [ما] فيهما خير من الدنيا وما فيها.

فأما المواظبة عليهما: فمشترَكٌ بينه، وبين الوتر؛ فإنه كان واجبًا عليه - صلى الله عليه وسلم -، ومعلوم أنه كان على الواجب أشدَّ محافظةً من المندوب؛ وإذا كان فعلُ المندوب خيرًا من الدنيا، فما ظنك بالواجب؟!

وقد رجَّح بعضُ أصحاب الشافعي أفضليةَ الوتر؛ لكونه مختلفًا في وجوبه بين العلماء؛ وهذا لا يصحُّ؛ فإنه مشتَرك بينه، وبينَ ركعتي الفجر؛ بما حكيناه من وجوبهما، عن الحسن البصري، ومعلوم أنه من فضلاء التابعين، وأئمتهم، وجلتهم؛ فاستويا في ذلك.

وقد اختلف أصحاب مالك في أن ركعتي الفجر؛ هل هما سنة، أو فضيلة؟ مع فرقهم بين السنة والفضيلة، فقالوا: السنةُ: ما واظبَ عليه في الجماعة مظهرًا له، وما لم يواظب عليه من هذه من النوافل، فهو فضيلة، وما واظب عليه ولم يظهره؛ كركعتي الفجر، ففيه قولان: أحدهما: سنة، والثاني: فضيلة.

وهذا اصطلاح لا أصل له؛ وقد بينا السنة ومعناها في الحديث قبله، لكن السنة تختلف رتبتها في الفضيلة، فبعضها آكدُ من بعض، على حسب مقصود


(١) رواه البخاري (٤٦)، كتاب: الإيمان، باب: الزكاة من الإسلام، ومسلم (١١)، كتاب: الإيمان، باب: بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام، عن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>