للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والنِّيَّة -بتشديد الياء على المشهور، وحكي تخفيفها-، وهي القصد، وهو: عزم القلب على الشيء، والمراد هنا: العزم على الفعل تقربًا إلى الله تعالى.

والهَجْرُ في اللُّغة: التَّرْك، وهو تَرْكُ الوطن وغيره هنا (١).

وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلىَ اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلىَ اللهِ وَرَسُولِهِ".

القاعدة عند أهل العربية المتقررة أَنَّ الشَّرْطَ والجزَاء والمبتدأ والخبر لا بُدَّ أَنْ يتغايَرا، وها هنا وقع الاتحاد في قوله: "فمن كانت هجرته" إلى آخره، فلا بُدَّ أن يقدر له شيء، وهو: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيّةً وقصدًا، فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا.

ووقعت الهجرة في الإسلام على أوجه:

أحدها: إلى الحبشة عندما آذى الكفار الصَّحابة.

الثَّانية: من مكّة إلى المدينة.

الثَّالثة: هجرة القبائل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

الرَّابعة: هجرة من أسلم من أهل مكّة ليأتي إلى النبيّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، ثمَّ يرجع إليها.

الخامسة: هجرة ما نهى الله عنه.

ومعنى الحديث وحكمُه يتناول الجميع، غيرَ أَنَّ الحديث ورد على سببٍ، على ما سيأتي، والعبرة بعموم اللفظ.

وقوله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "وَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ الَى دُنْيَا"، الدُّنْيَا -بضم الدَّال على المشهور-، وحكى ابن قتيبة وغيره كسرها، وجمعها دُنا؛ كَكُبْرَى وكُبَر، وهي من دَنَوْتُ؛ لِدُنُوِّها وسبقها الدَّار الآخرة، وينسب إليها: دُنْيَوِيٌّ، ودُنْيِيٌّ، وقال الجوهريُّ وغيره: ودُنْيَاوِيٌّ (٢).


(١) انظر: "لسان العرب" لابن منظور (٥/ ٢٥٠)، (مادة: هجر).
(٢) انظر: "تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص: ٢٦٥)، و"لسان العرب" لابن منظور (١٤/ ٢٧٢)، (مادة: دنا).

<<  <  ج: ص:  >  >>