فيترجح المعنى المجازي بأن التحويل في الصورة الظاهرة لم يقع غالبًا، مع كثرة رفع المأمومين قبل الإمام، وإن كان قد نقل وقوعه بإسناد صحيح؛ لشخص أو شخصين، في أزمنة قديمة.
لكن الحديث لا يدل على وقوعه، وإنما فاعلُ الرفع قبل الإمام متعرضٌ له، خصوصًا إن كان مستهترًا بالحديث؛ فإنه يقع به، كما ذكرنا، ونعوذ بالله من ذلك، والمتعرض للشيء لا يلزم وقوع ما يعرض له، والمتوعَّد به لا يلزم وقوعه في الوقت الحاضر عند فعل المخالفة، والجهل موجود عنده؛ فإن الجهل عبارة عن فعل ما لا ينبغي، وعن الجهل بالحكم؛ فإن العالم بالشيء، ولم يعمل به، يقال له: جاهل؛ لأن الشيء يفوت بفوات ثمرته ومقصوده، وإن كان سببه موجودًا.
ولهذا يقال: فلان ليس بإنسان؛ لفوات وصفٍ يناسب الإنسانية، ولما كان المقصود من العلم: العملَ به؛ جاز أن يقال لمن لا يعمل به: جاهل غير عالم، وقد يقال: عالم غير عارف؛ فيسمى عدم المعرفة جهلًا، والله أعلم.
وفي الحديث:
دليل على: تحريم مسابقة الإمام، وغِلظها، لكن إذا سبقه بركن، لا تبطل صلاته، وإن كان قد ارتكب المحذور؛ إن كان عالمًا: وجب عليه الرجوع إلى متابعته، وإن كان جاهلًا: وجب عليه الرجوع -أيضًا- إلى متابعته، ولا يكون آثمًا؛ بل يأثم بعدم التعلم، إن كان فرط فيه، والله أعلم.
وقالت الشافعية: تبطل بسبقه بثلاثة أركان، وهل تبطل بما دون ذلك؟
أوجه، ثالثها: تبطل بركنين، ولا تبطل بركن.
وفيه: التهديد على المخالفة؛ خشيةَ وقوعها.
وفيه: وجوب متابعة الإمام، واحترامه بها.
وفيه: كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - بأمته، وبيانه لهم الأحكام، وما يترتب على المخالفة، والله أعلم.