الدُّنْيَوية، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِي أَضَرُّ على الرِّجالِ مِنَ النِّسَاءِ"(١).
وقد صنف الإمام أبو الفرج بنُ الجوزيِّ وغيرُه أسبابَ الحديث، كما صنف الواحديُّ وغيره أسبابَ النزول للقرآن، والله أعلم.
وقد يجاب أيضًا: بأنَّ المرأة لا يلزم دخولُها في هذه الصِّيغة؛ لأنَّ لفظة "دُنْيَا" نكرة، وهي لا تعم في الإثبات، فلا تدخل المرأةُ فيها، وقد يكون ذكرها من باب التنبيه على زيادة التحذير منها؛ كذكر الخاص بعد العام تنبيهًا على مرتبته، كما في ذكر جبريل وميكائيل بعد الملائكة، وذكر الصَّلاة الوسطى بعد الصلوات في المحافظة، وذكر محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم -صَلَّى الله عليه وعليهم أجمعين- بعد النبيّين في أخذ الميثاق عليهم، وليس منه النَّخْلُ والرُّمَّانُ بعد ذكرِ الفاكهة، وإن كان قد غَلِطَ بعض النَّاس فيه، فعدَّه منه؛ لأنَّ فاكهةً نكرة في سياق الإثبات، فلا تعم، والله أعلم.
أما معانيه، فتقدَّم بعضها في ألفاظه.
وقوله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" لا بُدَّ فيه من إضمار، ولا جائزَ أن يكون المضمر: وجودها؛ لوجود العمل ولا نيَّة، فتعيَّن أَنْ يكونَ المضمر الصِّحةَ أو الكمالَ، وتقدير الصِّحة ألزمُ؛ لأنَّه أقرب إلى خطوره بالذهن عند الإطلاق، فالحمل عليه أولى، وقد يُقدرونه بالاعتبار، وقرب ذلك بمثل؛ كقولهم: إنما الملكُ بالرِّجال؛ أي: قوامه ووجوده، وإنَّما الرِّجال بالمال، وإنَّما الرَّعيَّة بالعدل، وكل ذلك يُراد به أَنَّ قوامَ هذه الأشياء بهذه الأمور.
وعلى تقدير إضمار الصحة أو الكمال، وقع اختلاف الفقهاء، فذهب الشَّافعيُّ والجمهور إلى تقدير الصِّحة، وذهب أبو حنيفة ومن وافقه إلى تقدير
(١) رواه البُخاريّ (٤٨٠٨)، كتاب: النكاح، باب: ما يتقى من شؤم المرأة، ومسلم (٢٧٤١)، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء، من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما -.