وشرط بعضهم المقارنة دون الاتصال، وشرط بعضهم الاتصال، وهو أخف من المقارنة، وكلُّ هذه المذاهب راجعةٌ إلى أن النيَّةَ جزءٌ من العبادة، أم شرطٌ لصحتها؟ مذهبُ الجمهور أَنَّها جزءٌ منها، ولأصحاب الشَّافعي وجهٌ أَنَّها شرط، والشرط لا تجب مقارنته ولا اتصاله ولا تكراره للمشروط، بل متى وجد ما يرفعه أو ينفيه، وجب فعله.
وتنبغي النيَّة في الصَّدقات، وقضاء حوائج النَّاس، وعيادة المرضى، واتَّباع الجنائز، وابتداء السَّلام وردِّه، وتشميت العاطس وجوابه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإجابة الدعوة، وحضور مجلس العلم والأذكار، وزيارة الأخيار والقبور، والنفقة على الأهل والضيفان، وإكرام أهل الود والفضل وذوي الأرحام، ومذاكرة العلم والمناظرة فيه وتكراره وتدريسه وتعلمه وتعليمه ومطالعته وكتابته وتصنيفه، والفتوى والقضاء، وإماطة الأذى عن الطريق، والنصيحة والإعانة على البر والتقوى، وقبول الأمانات وأدائها، وما أشبه ذلك؛ حتَّى ينبغي له إذا أراد أَنْ يأكلَ أو يشربَ أو ينامَ أَنْ يَقْصِدَ به التقوِّيَ على طاعة الله تعالى، وإراحة البدن لينشطَ للطَّاعة.
وكذلك إذا أراد جِمَاعَ زوجته أَنْ يقصدَ امتثالَ قول الله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء: ١٩]، وإيصالَها حقها، وتحصيلَ ولد صالحٍ يعبُد الله تعالى، وإعفافَ الزَّوجة، وإعفافَ نفسه وصيانتَها من التطلع إلى حرام، أو الفكر فيه، أو مكابدة المشاقِّ بالصبر، وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وفي بُضْعِ أحَدِكُمْ صَدَقَةٌ"(١).
وكذا ينبغي لِمَنْ يعملُ حِرفةً ينفع المسلمين ممَّا هو فرضُ كفاية أن يقصد إقامةَ فرض الكفاية، ونفعَ المسلمين؛ كالزراعة وغيرِها من الحِرَفِ التي هي قِوَامُ عيشِ المسلمين.
(١) رواه مسلم (١٠٠٦)، كتاب: الزكاة، باب: بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -.