محمولة على اختلاف أحوال؛ ففي أوقات يطول، وفي أوقات يخفف.
ذهب بعضهم إلى: أن التخفيف هو المتأخر من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، بعد ذلك التطويل، وقد ورد في بعض الأحاديث: أن صلاته - صلى الله عليه وسلم - كانت بعدُ تخفيفًا (١)، وأن الذي ذكره البخاري؛ وهو قوله: ما خلا القيامَ، والقعودَ، صحيح، وأن ذكر القيام في رواية الكتاب وَهْمٌ من الراوي.
قال شيخنا أبو الفتح القاضي: وهذا بعيد عندنا؛ لأن توهيم الراوي الثقة، على خلاف الأصل، لا سيما إذا لم يدل دليل قوي لا يمكن الجمع بينه وبين الزيادة؛ على كونها وهمًا.
وليس هذا من باب العموم والخصوص؛ حتى يُحمل العام على الخاص، فيما عدا القيام؛ فإنه قد صرح من حديث البراء، بذكر القيام، ويمكن الجمع بينهما؛ بأن يكون فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك كان مختلفًا؛ فتارة: يستوي الجميع، وتارة: يستوي ما عدا القيام، والقعود.
وليس في هذا، إلا أحد أمرين:
إما الخروج عما تقتضيه لفظة (كان) من المداومة، أو الأكثرية.
وإما أن يقال: الحديث اختلف رواته عن واحد؛ فيقتضي ذلك: التعارض، ولعل هذا هو السبب الذي دعا من ذكرناه عنه؛ أنه نسب تلك الرواية إلى الوهم إلى من قاله؛ وهذا هو الوجه الثاني؛ أعني: اتخاذ الرواية أقوى من الأول، في وقوع التعارض، وإن احتمل غير ذلك، على الطريقة الفقهية.
ولا يقال: إذا وقع التعارض؛ فالذي أثبت التطويل في القيام لا يعارضه من نفاه؛ وإن المثبت مقدم على النافي؛ لأنا نقول: الرواية الأخرى تقتضي بنصها: عدم التطويل في القيام، وخروج تلك الحالة -أعني: حالة القيام والقعود- عن بقية حالات أركان الصلاة؛ فيكون النفي، والإثباب: إذا انحصروا في محل
(١) رواه مسلم (٤٥٨)، كتاب: الصلاة، باب: القراءة في الصبح، عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه-.