النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته، لم ينهض حتى يستوي قاعدًا (١).
* وأما ألفاظه ومعانيه:
فقوله:"إني لأُصلِّي بكم وما أريدُ الصلاةَ"، معناه: أصلي صلاة لقصدِ التعليم، لا لغيره من مقاصد الصلاة، ولا شك أن الصلاة تُراد لمقاصد أتى الشرع بها، منها هذا القصد؛ لصلاته - صلى الله عليه وسلم - بالنَّاس على المنبر، فإذا أراد السجود، هبط فسجد على الأرض، ثم صعد، إلى أن أتم صلاته - صلى الله عليه وسلم -، وكان فعله ذلك لقصد التعليم، ففي ذلك جميعه دليلٌ على جواز فعل مثل ذلك، وليس هو من باب التشريك في العمل.
قوله:"أصلِّي كيفَ رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي" دليلٌ على البيان بالفعل، وأنه جارٍ مجرى البيان بالقول، وإن كان البيان بالقول أقوى في الدلالة على آحاد الأفعال إذا كان القول ناصًّا على كل فرد منها.
وقوله:"وكانَ يجلسُ إذا رفَع رأسَه من السُّجود قبلَ أن ينهضَ": هذا الجلوس هو أحدُ جلسات الصلاة عقب سجود الركعة الأولى والثالثة من الرباعية، ويسمى عند الفقهاء بجلوس الاستراحة، هو جلوس رابع في الصلاة الثلاثية والرباعية، وحكمه الجلوس مفترشًا عند الشافعي، ومن قال باستحبابه، وللشافعي قول: إنه لا يشرع، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وغيرهما.
وهذا الحديث دليل للاستحباب، وحجة على من قال بعدمه، وحمل هؤلاء الحديث على أنها إنما فعلت لسبب الضعف للكبَر، لا أنها مقصودة لقصد القربة، وقد فصل بعض أصحاب الشافعي في استحبابها بين الشاب القوي والشيخ الضعيف، فقال: لا تستحب للشاب، وتستحب لغيره.
وقد روي عن المغيرة بن حكيم: أنه رأى عبدَ الله بن عمر يرجع من سجدتين من الصلاة على صدور قدميه. قال: فلما انصرف، ذكر ذلك له، فقال: إنها
(١) رواه البخاري (٧٨٩)، كتاب: صفة الصلاة، باب: من استوى قاعدًا في وتر من صلاته ثمَّ نهض.