للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصَّلاة مجزِئةً بمطابقتها للأمر، فعلى هذا يلزم من القبول الصحةُ في الظاهر والباطن، ومتى ثبت القبول، ثبتت الصحة، ومتى ثبتت الصِّحة، ثبت القبول.

ونقل عن بعض المتأخرين أن القبول عبارة عن ترتب الثواب والدَّرجات على العبادة، والإجزاءُ عبارة عن مطابقة الأمر، فهما متغايران، أحدهما أخصُّ من الآخر، ولم يلزم من نَفْي الأخصِّ نفيُ الأعم، فالقبول أخصُّ من الصحَّة، على هذا فكل مقبول صحيح، وليس كل صحيح مقبولًا، وهذا إنْ نفعَ في نفي القبول مع بقاء الصِّحة، ضرَّ في نفي القبول مع نفي الصحة، لكن يقال: دلَّ الدليل على كون القبول من لوازم الصحة، فإذا انتفى، انتفت، فيصحُّ الاستدلال بنفي القبول على نفي الصِّحَة، ويحتاج في نفيه مع بقائها إلى تأويل أو تخريج.

ويرد على من فسَّر القبولَ بكون العبادة مثابًا عليها أو مرضية، مع أن قواعد الشرع تقتضي أن العبادة إذا أُتي بها مطابقة للأمر، كانت سببًا للثواب في ظواهر لا تحصى فيها.

إذا ثبت هذا، فاعلم أن الحدث عبارة عن نواقض الوضوء، وهي عند الشافعية أربع متفق عليها، وأربع مختلف فيها.

وقد فسَّره أبو هريرة -راوي الحديث- بنوع من الحدث حين سُئل عنه، فقال: فُساء أو ضُراط (١)، وكأنَّه أجاب السَّائل عمَّا يجهله منها، أو عمَّا يحتاج إلى معرفته في غالب الأمر.

والحدث بموضوعه يطلق على الأكبر؛ كالجنابة والحيض والنفاس، والأصغر؛ كنواقض الوضوء، وقد يسمى نفس الخارج حدثًا، وقد يسمى المنع المرتَّبُ عليه حدثًا، وبه يصحُّ قولهم: رفعتُ الحدثَ، ونويتُ رفعه، وإلا استحال ما يرفع ألا يكون واقعًا.

وكَأنَّ الشَّارعَ صلى الله عليه وسلم جعل أمد المنع المترتب على خروج الخارج إلى استعمال الطُّهر، وقد تقوَّى بهذا قولُ من يرى أن التَّيَمُّم يرفع الحدث؛ لكون المرتفع هو


(١) رواه البخاري (١٣٥)، كتاب: الوضوء، باب: لا تقبل صلاة بغير طهور.

<<  <  ج: ص:  >  >>