وجهله في صلاته، وقد استدل به الكثير من الفقهاء على أن ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - فيه فهو واجب، وما لم يذكره فيه ليس بواجب، وليس الحديث موضوعًا لبيان سنن الصلاة اتفاقًا، فالنية، والقعود في التشهد الأخير، وترتيب أركان الصلاة واجباتٌ مجمَع عليها، وليست مذكورة في الحديث، والتشهدُ الأخير، والصلاةُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، والسلام من المختلفَ فيه، أوجب هذه الثلاثة: الشافعي، والجمهور، قالوا بوجوب السلام منها، وكثيرون قالوا بوجوب التشهد، والشعبي، وأحمد بن حنبل وأصحابه، وأصحاب الشافعي قالوا بوجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأوجبَ جماعة من الشافعية نيةَ الخروج من الصلاة، وأوجب أحمد التشهد الأول، وكذا التسبيح، وتكبيرات الانتفال.
فالجواب: عما استدل له الكثير من الفقهاء من أن المذكور في الحديث واجب، وغيره ليس بواجب، مع ما ذكرنا من الواجبات المجمَع عليها والمختلف فيها: أن المجمَع عليه كان معلومًا عند السائل لم يحتج إلى بيانها، وكذا المختلف فيه عند من يوجبه يحمله على ذلك، وجه استدلالهم على الوجوب بذكره في الحديث، وعدمه بعدمه: أن الأمر تعلق بالوجوب، وأن عدمه ليس لمجرد أن الأصل عدم الوجوب، بل الأمر زائد، وهو أن ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث تعليم وبيان للجاهل، وتعريف لواجب الصلاة، وهو يقتضي انحصاره فيما ذكر، وقويت رتبة الحصر فيه بذكر ما تعلقت به الإساءة من المصلي من الواجب فيها، وما لم تتعلق به، وذلك دليل على عدم الاقتصار على المقصود مما وقعت فيه الإساءة فقط في كل ما وقع، واختلف الفقهاء في وجوبه، وكان مذكورًا في الحديث، ذلك أن تتمسك به في وجوبه، وكل موضع اختلفوا في تحريمه، فلك أن تستدل على عدم تحريمه؛ لأنه لو حرم، لوجب التلبس بضده؛ فإن النهي عن الشيء أمرٌ بأحد أضداده، ولو كان التلبس بالضد واجبًا؛ لذكر على ما قررناه، فإذا انتفى ذكره -أعني: ذكر الأمر بالتلبس بالضد- انتفى بلزومه، وهو النهي عن ذلك الشيء، وكل موضع اختلفوا في وجوبه، ولم يكن مذكورًا في الحديث، ذلك -أيضًا- أن تتمسك به في عدم وجوبه -أيضًا-