وقوله:"لا صلاةَ لمن لم يقرأْ بفاتحة الكتاب"؛ دليل على: وجوب قراءتها في الصَّلاة.
ووجه الاستدلال ظاهر، واعتقد بعض علماء الأصول الإجمال في مثل هذا اللفظ؛ لدورانه بين نفي الحقيقة، أو الكمال:
أما الحقيقة: فلا سبيل إليه؛ للزومه؛ ففي كل إضمار مجمل، وهو منتف؛ لأنَّ الإضمار إنَّما احتيج للضرورة إليه، وهي تندفع بإضمار فرد؛ فلا يحتاج إلى أكثر منه، وإضمار الكل يتناقض؛ فإن إضمار الكمال يقتضي: إثباتَ أصل الصحة، ونفيه تعارض الأصل، وليس واحد منهما بأولى من الآخر؛ فيتعين الإجمال.
وهذا إنَّما يتم؛ إذا حمل لفظ الصَّلاة، والصيام، وغيرهما؛ على غير عرف الشرع؛ أما إذا حمل على عرف الشرع، فيكون منتفيًا حقيقة، ولا يحتاج إلى الإضمار، والمؤدي إلى الإجمال؛ فإن ألفاظ الشارع محمولة على عرفه، في الغالب؛ لأنَّه المحتاج إليه، فإنّه بعث لبيان الشرعيات، لا لبيان موضوعات الألفاظ في اللغة.
ثم إن الصَّلاة اسم لمجموع الصَّلاة؛ التي تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم؛ حقيقة، لا لكل ركعة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خمسُ صلواتٍ، كتبهنَّ اللهُ على العباد في اليومِ والليلة"(١)، فلو كان كل ركعة تسمى صلاة؛ لقال: سبع عشرة صلاة.
وقد يستدل بالحديث من يرى: وجوب قراءة الفاتحة، في كل ركعة؛ بناء
(١) رواه أبو داود (١٤٢٠)، كتاب: الصَّلاة، باب: فيمن لم يوتر، والنَّسائيُّ (٤٦١)، كتاب: الصَّلاة، باب: المحافظة على الصلوات الخمس، والإمام مالك في "الموطأ" (١/ ١٢٣)، والإمام أحمد في "المسند" (٥/ ٣١٥)، عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -.