بعذر, وأتى ببدله، فالصلاة مقبولة قطعًا؛ لأنَّه قد أتى بما أُمر به قطعًا.
وقد استدلَّ المتقدِّمونَ بهذا الحديث على أن الصَّلاة لا تجوز إلا بطهارة، ولا يلزم من عدم القبول عدمُ الصحة؛ بدليل ما تقدَّم، وقد تكون الصَّلاة مقبولة بلا وضوء ولا تَيَمُّم، فمن لم يجد ماء ولا ترابًا، فإنها صحيحة مقبولة، ولا تجبُ إعادتُها على أحد الأقوال عند الشَّافعي، وهو مختار جماعة من محققي أصحابه، وهو قول جماعة من العلماء، فيكون الحديث خرج على الأصل والغالب، والإعادة والقضاء لا يجبان إلا بأمر محدَّد، وهذا كله على مذهب من يقول: إن الطهارة شرط لصِّحَة الصَّلاة، أمَّا من يقول: إنَّها شرط للوجوب؛ كمالكٍ وابن نافع، فإنهما قالا: مَن عَدِم الماء والصعيد، لم يُصلِّ، ولم يقضِ إِنْ خرج وقت الصَّلاة؛ لأن عدم قبولها لعدم شرطها يدل على أنَّه ليس مخاطبا بها حال عدم شرطها، فلا يترتب في الذِّمَّة شيء، فلا تقضى، لكن قوله صلى الله عليه وسلم:"إذَا أَمَرْتُكُمْ بِآمْرِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ"(١) يمنع هذا؛ فإنَّه أَمَرَ بالصَّلاة بشروط تعذرت، فيأتي بها، ولا يلزم من انتفاءِ الشَّرط انتفاءُ المشروط بالنسبة إلى أصل الوجوب، والله أعلم.
وقد استدل بهذا الحديث على بطلان الصلاة بالحدث، سواء كان خروجه اختيارًا أم اضطرارًا، سهوًا أو عمدًا؛ لعدم تفريقه صلى الله عليه وسلم بين حدث وحدث في حالة دون حالة، وقد حكي عن مالك والشَّافعي -في القديم-، وغيرهما: أنّها لا تبطل إذا سبقه الحدث، بل يتوضأ ويبني على صلاته، وإطلاق الحديث يرد عليه.
واختلف العلماء من أصحاب الشَّافعي وغيرهم في موجب الوضوء ما هو؛ فذهب طائفة إلى أَنّه يجب بالحدث وجوبًا موسعًا، وذهب آخرون إلى أنه يجب بالقيام إلى الصلاة؛ بدليل قوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا}[المائدة: ٦]
(١) رواه البخاري (٦٨٥٨)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسلم (١٣٣٧)، كتاب: الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.