للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض المالكية بأن قال: إن الإجابة لا تتعين بالقول، فيكفي فيه الإيماء، وعلي تقدير أن يجب لا يلزم منه الحكم بصحة الصَّلاة؛ لجواز أن يجب الإجابة، ويلزمهم الاستئناف.

ومنها: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تكلم معَتقِدًا لتمام الصَّلاة، والصحابة تكلموا مجوزين النسخَ، فلم يكن كلام واحد منهم مبطِلًا، وهذا يضعفه ما في "كتاب مسلم" أن ذا اليدين قال: أَقُصِرَتِ الصلاةُ يا رسول الله أم نسيتَ؟ فقال رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "كل ذلك لم يكن"، فقال: قد كان بعضُ ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - على النَّاس فقال: "أَصدقَ ذو اليدين؟ "، فقالوا: نعم يا رسول الله، بعد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل ذلك لم يكن" (١).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل ذلك لم يكن" يدلُّ على عدم النسخ، فقد تكلموا بعد العلم بعدم النسخ.

قال شيخنا أبو الفتح - رحمه الله -: وليتنبه ها هنا لنكتة لطيفة في قول ذي اليدين: قد كان بعضُ ذلك، بعد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل ذلك لم يكنْ"؛ فإن قوله: "كل ذلك لم يكنْ" تضمن أمرين:

أحدهما: الإخبارُ عن حكم شرعي، وهو عدم القصر.

والثاني: الإخبار عن أمر وجودي، وهو النسيان، وأحد هذين الأمرين لا يجوز فيه السَّهو، وهو الإخبار عن الأمر الشرعي، والآخر متحقق عند ذي اليدين، فلزم أن يكون بعض ذلك كما ذكر (٢).

ومنها: أن الأفعال الكثيرة التي ليست من جنس أفعال الصَّلاة إذا وقعت سهوًا لا تبطل الصَّلاة؛ بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - جرى منه أفعال كثيرة: مشيُه - صَلَّى الله عليه وسلم - إلى منزله، وإتيانُه جذعًا في قبلة المسجد، واستناده إليه لما خرج سرعان النَّاس، وكلامُه لذي اليدين وغيره، وتقدُّمه لإتمام ما بقي من صلاته، وفي هذه المسألة وجهان


(١) تقدم تخريجه.
(٢) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٢/ ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>