الكلب لم يجئ في الترخيص فيه شيء يعارض هذا الحديث، وأما المرأة ففيها حديث عائشة، وفي الحمار حديث ابن عباس السابق.
وقال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وجمهور العلماء من السلف والخلف: لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء ولا غيرهم، وتأول هؤلاء هذا الحديث على أن المراد بالقطع نقصُ الصلاة؛ لشغل القلب بهذه الأشياء، وليس المراد بطلانها.
وحكى الأثرم عن أحمد -رحمه الله- جزم القول بأنه لا يقطع المرأة والحمار، وجزم القول بذلك يتوقف على أمرين:
أحدهما: أن يبين تأخر المقتضى لعدم الفساد على المقتضى للفساد، وفيه عسر عند المبالغة في التحقيق.
والثاني: أن يبين أن مرور المرأة مساوٍ لما حكته عائشة - رضي الله عنها - من الصلاة إليها راقدة.
قال شيخنا أبو الفتح -رحمه الله-: وليس هذه بالبينة عندنا لوجهين:
أحدهما: أنها - رضي الله عنها - ذكرت أن البيوت ليس فيها حينئذ مصابيح، فلعل سبب هذا الحكم عدم المشاهدة لها.
والثاني: أن قائلًا لو قال: إن مرور المرأة ومشيها لا يساويه في التشويش على المصلي اعتراضه بين يديه، فلا يساويه في الحكم، لم يكن ذلك بالممتنع، وليس يبعد من تصرف الظاهرية مثل هذا، وفي قول ابن عباس: فلم ينكر ذلك علي أحد، دليل على أن عدم الإنكار حجة على الجواز، لكنه مشروط بانتفاء الموانع من الإنكار، وبالعلم بالاطلاع على الفعل، وذلك ظاهر، ولعل السبب في قول ابن عباس ذلك دون قوله: ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك: أنه ذكر أن هذا الفعل كان بين يدي بعض الصف، وليس يلزم من ذلك اطلاع النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك؛ لجواز أن يكون الصف ممتدًا، ولا يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الفعل منه، فلا يجزم بترك إنكاره مع اطلاعه، فلا يوجد شرط الاستدلال بعدم الإنكار على