للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: ولعل مراد الشيخ - رحمه الله تعالى - ببعض الناس المنقول عنه وجوبهما: داود وأصحابه؛ فإن القاضي عياضًا - رحمه الله - حكاه عنهم، لكن اصطلاح البخاري إذا قال: فقال بعض الناس: أنه الإمام أبو حنيفة، لكنه ليس مرادًا هنا؛ لأن المنقول عن أبي حنيفة استحبابهما، وكراهتهما في وقت النهي، وإن كان قال بوجوب الوتر، ونقل عن الحسن البصري وجوب ركعتي الفجر، لكن العلماء استدلوا على عدم الوجوب في غير الصلوات الخمس بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خمسُ صلواتٍ كتبهنَّ اللهُ على العباد" (١)، وقول السائل: هل عليَّ غيرُها؟ قال: "لا إلا أن تطوع" (٢)، فحملوا بذلك صيغة الأمر على الندب في الوتر، وركعتي التحية، والفجر؛ لدلالة ما ذكرنا من حديث السائل، وكتب الخمس على العباد على عدم الوجوب في غيرها، لكن يشكل عليهم بإيجابهم الصلاة على الميت تمسكًا بصيغة الأمر.

الثانية: لا تكره صلاةُ التحية في وقت من أوقات كراهة إذا دخل المسجد، بل هي مستحبة مشروعة، وكرهها أبو حنيفة، والأوزاعي، والليث، وقال مالك: لا يركعهما في الأوقات المكروهة، وحكي وجه بالكراهة في مذهب الشافعي، وطريقة أخرى أن محل الخلاف بين العلماء فيهما إذا قصد الدخول في هذه الأوقات لأجل أن يصليهما فيها، أما إذا لم يقصد الدخول لفعلهما، فلا كراهة، وليس هو محل الخلاف، والمعروف من مذهب الشافعي - رحمه الله - وأصحابه: أنه يركعهما فيها، وأما ما حكاه القاضي عياض - رحمه الله - عن الشافعي - رحمه الله - في جواز صلاتهما بعد العصر ما لم تصفرَّ الشمس، وبعد الصبح ما لم تُسفر؛ إذ هي عنده من النوافل التي لا سبب لها، وإنما يمنع من هذه الأوقات ما لا سبب له، ويُقصد ابتداء؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَحَرَّوْا بصلاتِكم طلوعَ الشمسِ ولا غُروبَها" (٣). انتهى ما حكاه عن الشافعي، فهو غير معروف في نقل


(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) رواه البخاري (٥٥٨)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، =

<<  <  ج: ص:  >  >>