وقد اختلف القدماء في أشياء هل تُبطل الصلاة أم لا؟؛ كالنفخ والتنحنح لغير غلبة وحاجة، وكالبكاء، والذي يقتضيه القياس أن ما يسمى كلامًا فهو داخل تحت اللفظ، وما لا يسمى كلامًا، فمن أراد إلحاقه به، كان ذلك بطريق القياس، فليراع شرطه في مساواة الفرع للأصل، واعتبر أصحاب الشافعي ظهورَ حرفين، وإن لم يكونا مفهمين، فإن أقلَّ الكلام حرفان، ولقائل أن يقول: ليس يلزم من كون الحرفين يتألف منهما كلام أن يكون كل حرفين كلامًا، وإن لم يكن كذلك، فالإبطال به لا يكون بالنص، بل بالقياس، فليراع شرطه، اللهم إلا أن يريد بالكلام كل مركب، مفهمًا كان أو غير مفهم، فحينئذ يندرج التنازع فيه تحت اللفظ، إلا أن يكون فيه بحث، والأقرب أن ننظر إلى مواقع الإجماع، والخلاف؛ حيث لا يسمى الملفوظ به كلامًا، فما أجمع على إلحاقه بالكلام، ألحقناه به، وما لم يجمع عليه، مع كونه لا يسمى كلامًا، فيقوى به عدم الإبطال، ومن هذا استضعف القول بإلحاق النفخ بالكلام، ومن ضعيف التعليل فيه قولُ من علل البطلان به بأنه شبه الكلام، وهذا ركيك مع ثبوت السنة الصحيحة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفخ في صلاة الكسوف في سجوده.
وفي هذا الحديث دليل على تحريم جميع أنواع كلام الآدميين في الصلاة، وأجمع العلماء على أن الكلام فيها عامدًا عالمًا بتحريمه لغير مصلحتها ولغير إنقاذ هالك وشبهه، مبطلٌ للصلاة، وأما الكلام لمصلحتها، فقال الشافعي، ومالك، وأبو حنيفة، وأحمد، والجمهور: يُبطل الصلاة، وجوزه الأوزاعي وبعض أصحاب مالك، وطائفة قليلة، وكلام الناسي لا يبطلها عند الشافعي والجمهور، ما لم يطل، وقال الكوفيون وأبو حنيفة: يبطل، والله تعالى أعلم.