فاحذروه واجتنبوا ضرره، والذي يقتضيه مذهب أهل السنة وظاهر الحديث أن شدة الحر من فيح جهنم حقيقة لا استعارة وتشبيهًا وتقريبًا؛ فإنها مخلوقة موجودة، وقد ثبت في "الصحيح" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"اشتكتِ النارُ إلى ربِّها، فَأَذِنَ لها بنَفَسَيْنِ: نفسٍ في الشتاء، ونفسٍ في الصيف"(١)، والله أعلم.
واعلم أن الإبراد إنما شرع في صلاة الظهر، وقال أشهب المالكي: شرع في العصر، وخالفه جميع العلماء، واختلف في مقدار وقته، فقال بعض الشافعية: وهو أن يؤخر الصلاة عن أول الوقت مقدارَ ما يظهر للحيطان ظِلٌّ، ولا يحتاج إلى المشي في الشمس، وقالت المالكية: يؤخر الظهر في الحر إلى أن يصير الفيء أكثرَ من ذراع.
واختلف الفقهاء في هذا الإبراد، هل هو رخصة أو عزيمة سنة؟ وقد يعبر عنه بأن الأفضل تقديمُ الظهر أو الإبرادُ بها، وينبني على ذلك أن من صلى في بيته، أو مشى في كنٍّ إلى المسجد، هل يسن له الإبراد؟ إن قلنا: رخصة، لم يسن له؛ إذ لا مشقة عليه في التعجيل، وإن قلنا: سنة، أبرد، وهو الأقرب؛ لورود الأمر به، مع ما اقترن به من العلة، من أن شدة الحر من فيح جهنم، وذلك مناسب للتأخير، والأحاديث الدالة على التعجيل وفضيلته عامة أو مطلقة، وهذا خاص، فلا مبالاة مع صيغة الأمر ومناسبة العلة بقول من قال: التعجيل أفضل؛ لأنه أكثر مشقة؛ فإن مراتب الثواب إنما يرجع فيها إلى النصوص، وقد ترجح بعض العبادات الخفيفة على ما هو أشقُّ منها بحسب المصالح المتعلقة بها.
واختلف أصحاب الشافعي بالإبراد بالجمعة على وجهين: فقال جمهورهم: لا يشرع؛ فإن التبكير بها سنة فيها، وقال بعضهم: يشرع؛ لأن لفظ الصلاة في الحديث يطلق على الظهر، والجمعة، والتعليل مستمر فيها، فالجواب عن تعليل
(١) رواه البخاري (٣٠٨٧)، كاب: بدء الخلق، باب: صفة النار وأنها مخلوقة، ومسلم (٦١٧)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.