وفيه دليل على الفرق بين ورود الماء على النجاسة، وورودها عليه، فإذا ورد عليها الماء، أزالها، وإذا وردت عليه، نجَّسته إذا كان قليلًا؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إيرادها عليه، وأمره بإيراده عليها، وذلك يقتضي أَنَّ ملاقاةَ النجاسةِ إذا كان الماءُ واردًا عليها غيرُ مفسدٍ له، وإلَّا لَمَا حَصَلَ المقصودُ من التطْهيرِ.
وفيه دليل على أنَّ الماءَ القليلَ ينجسُ بملاقاةِ النجاسة ووقوعها فيه؛ فإنه صلى الله عليه وسلم إذا مَنَعَ من إِدخالِ اليد فيه لاحتمالِ النجاسة، فمع تَيَقُّنِها أولى، لَكِنْ قَدْ يعترض على هذا بأنَّ مطلق التَّاثير (١) لا يلزم منه التَّأثيرُ بالتَّنْجيس، ولا يلزم من ثبوت الأعمِّ ثبوتُ الأخصِّ المعين، فثبت مطلق التَّأثير، ولم يثبت خصوص التأثير بالتنجيس.
وأورد أَنَّ الكراهةَ ثابتةٌ عند التوهُّم، فلا يلزم أَنْ يكونَ أثر اليقين هو الكراهة.
وأُجِيبَ بأنه يثبتُ عند اليقين زيادة في رتبة الكراهة -والله أعلم-.
وفيه دليل على كراهة غمس اليدين في الإناء قبل غسلهما ثلاثا، سواء كان ما في الإناء ماءً قليلًا، أو طعامًا، أو غيره من الأشياء الرَّطبة.
وفيه دليل على استحباب التَّثليث في غسل النجاسة؛ لأنه إذا أمر به في المتوهَّمة، ففي المحقَّقة أولى.
وفيه دليل على رد ما يقوله أحمد أَن الغسل سبعًا عام في جميع النَّجاسات؛ لتنصيصه صلى الله عليه وسلم على التثليث، والتَّسبيعُ خاصٌّ في ولوغِ الكلب.
وفيه دليل على أنَّ النَّجاسة المتوهَّمة يُستحبُّ الغسلُ فيها دون الرَّشِّ؛ للأمر بالغسل دون الرَّش؛ فإنه في بولِ الرَّضيع الَّذي لم يَطعمْ، وفي اللِّباس ونحوه إذا توسوس فيه.
وفيه دليل على استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يُتحاشى من ذكره؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال:"فَإِنَّهُ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ"، ولم يقلْ: فلعلَه وقَعَتْ يَدُه على دُبُرِه، أو ذَكَره، أو نجاسةٍ، أو نحو ذلك.