رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والإيمانُ به واجب، وأجمعَ عليه العلماء من أهل السنة وغيرهم، وهو مذهب أهل الحق، خلافًا للمعتزلة.
وقوله:"ومن عذاب النار":
فيه الإيمان بالنار، وأنها مخلوقة موجودة، وقد ثبتت الاستعاذة منها في غير حديث.
وقوله:"ومن فتنة المحيا والممات": أي: الحياة والموت، ففتنة المحيا ما يتعرض له الإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأشدها وأعظمها -والعياذ بالله تعالى منه- أمر الخاتمة عند الموت، وفتنة الممات قيل: المراد: فتنة القبر، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاستعاذةُ من عذاب القبر وفتنة القبر كمثلِ أو أعظمَ من فتنة الدجال، ولا يكون من هذا الوجه متكررًا مع قوله: من عذاب القبر؛ لأن العذاب مرتب على الفتنة، والسببُ غير المسبب، ولا يقال: إن المقصود زوالُ عذاب القبر؛ لأن الفتنة نفسَها أمر عظيم، وهو شديد يستعاذ بالله من شره، ويجوز أن يراد بفتنة الممات: الفتنةُ عند الموت، وأضيفت إلى الموت؛ لقربها منه عند الاحتضار، أو قبله بقليل، وتكون فتنة المحيا على هذا ما يقع قبل ذلك في مدة الحياة للإنسان وتصرفه في الدنيا، فإن ما قارب الشيء يُعطى حكمه، فحالة الموت تشبه بالموت، فلا تعد من الدنيا، فعلى هذا يكون الجمع بين فتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال وفتنة القبر من باب ذكر الخاص بعد العام، ونظائرُه كثيرة، والله أعلم.
ويحتمل أن يراد بفتنة المحيا والممات حالة الاحتضار وحالة المساءلة في القبر، فكأنه استعاذ من فتنة هذين المقامين، وسأل التثبيت فيهما؛ كما قال تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}[إبراهيم: ٢٧].
واعلم أن الرواية التي في "صحيح مسلم" - رحمه الله - كما ذكرها المصنف فيها زيادة كون الدعوات مأمورًا بها بعد التشهد، والمراد به الأخير لا الأول؛