وإنما الخلاف في فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما اختار لنفسه، والله أعلم.
وقولها:"يوترُ من ذلك بخمس لا يجلسُ إلَّا في آخرها" قد تقدم أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الليل مثنى مثنى" دالٌّ ظاهرًا على الحصر في صلاة النفل ليلًا، وكأنه صارت المثبوتة لها صفة، إلا ما خرج بدليل؛ بحيث لا يجوز الزيادة على ركعتين إلا بسلام، وهذا الفعل منه - صلى الله عليه وسلم - يدل على الجواز، فيقتضي التعارض بينهما، فلا بد من الموازنة بينهما، فنقول: دلالةُ الفعل على الجواز يتطرق إليها الخصوص، وهو بعيد لا يُصار إليه إلا بدليل، فتبقى دلالةُ الفعل على الجواز معارضة لدلالة اللفظ على الحصر، ودلالة الفعل على الجواز قوية، فيبقى نظر آخر، وهو أن الأحاديث دلت على أعداد مخصوصة، فإذا جمعنا ونظرنا أكثرها فما زاد عليه، وقلنا بجوازه، كان قولًا بالجواز مع اقتضاء الدليل منعه من غير معارضة الفعل له.
ولقائل أن يقول: نعمل دليل المنع حيث لا معارض لها من الفعل، إلا أن يصد عن ذلك إجماع، أو يقام دليل على أن الأعداد المخصوصة ملغاة عن الاعتبار، ويكون الحكم الذي دل عليه الحديث مطلق الزيادة، وفيها هنا أمران:
أحدهما: أن نقول: مقادير العبادات يغلب عليها التعبد، فلا يُجْزَم بأن المقصود لا يتعلق بالعدد، وأن المقصود مطلق الزيادة.
الثاني: أن نقول: المانع المحتمل هو الزيادة على مقدار ركعتين، وقد ألغي بهذه الأحاديث، وقد تقدم أنه لا خلاف في جواز الزيادة على العدد المنقول عنه - صلى الله عليه وسلم -، وإنما الخلاف في صفته واختياره لنفسه - صلى الله عليه وسلم -، والله أعلم.