ثم إن الحديث المذكور مراد بكثرة السؤال لنفسه فيما ذكر، فهل يكون السؤال لغيره حكمُه حكم نفسه في الكثرة والقلة، أو يمنع منه مطلقًا، أو يؤذن فيه مطلقًا؟ يختلف ذلك باختلاف المقاصد والنيات، وحال السائل والمسؤول، والله أعلم.
وقوله:"وكانَ ينهى عن عقوقِ الأُمهات" تخصيص النهي بالأمهات مع امتناعه في الآباء -أيضًا- لأجل كثرة حقوقهن وشدتها، ورجحان الأمر ببرِّهِنَّ وتكريره مرات دون الآباء، وهذا من باب تخصيص الشيء بالذكر إظهارًا لعظم موقعه في الأمر إن كان مأمورًا [به]، وفي النهي إن كان منهيًا عنه، وقد يذكر في موضع آخر بالتنبيه بذكر الأدنى على الأعلى، فيخص الأدنى بالذكر، وذلك بحسب اختلاف المقصود، وقد يقع التنبيه بالأعلى على الأدنى.
وقوله:"ووَأدِ البنات" هو عبارة عن دفنهنَّ بالحياة، وخُصت البنات بالذكر دون الأبناء؛ لأنه كان هو الواقع، فتوجه النهي إليه، لا لأن الحكم مخصوص بالبنات.
وقوله:"ومَنْعٍ وهات" وهذا النهي راجع إلى السؤال الصحيح وغير الصحيح بالمنع والإعطاء، وحينئذ يحتمل وجهين:
أحدهما: النهي عن المنع حيث يؤمر بالإعطاء، وعن السؤال حيث يمنع منه، فيكون كل واحد منهما مخصوصًا بصورة غير صورة الآخر.
الثاني: أن يجمعا في صورة واحدة لا تعارض بينهما، فيكون وظيفة الطالب ووظيفة المعطي ألا يمنع إن وقع السؤال، وهذا لا بد أن يستثنى منه، أما إذا كان المطلوب محرمًا على الطالب، فإنه يمتنع على المعطي إعطاؤه؛ لكونه معينًا على الإثم، ويحتمل أن يكون ذلك محمولًا على الكثرة من السؤال، والعبارة الواضحة في ذلك النهيُ عن منع ما أمر بإعطائه، وطلب ما لا يستحق أخذه، والله أعلم.
وفي هذا الحديث دليل على: استحباب هذا الذكر عقيب الصلاة المكتوبة.