على نسخه، وقوله في حديث ابن عباس ممنوع بدليل من ذكرنا ممن تأوله وعمل به، والله أعلم.
وأما الجمع للحاجة في الحضر من غير اتخاذه عادة، فجوزه ابن سيرين، وأشهبُ من أصحاب مالك، والقفال الشاشي الكبير من أصحاب الشافعي، وحكاه الخطابي عنه عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر، وهو ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرجَ أمته، ولم يعلله بمرض ولا غيره، والله أعلم.
واعلم أن جمع التقديم ثابت بين الظهر والعصر بعرفة، وجمع التأخير ثابت بين المغرب والعشاء بمزدلفة، وتقدم الاختلاف في علة جوازه، هل هو النسك أو السفر؟ وتظهر فائدة الخلاف بين أهل مكة وما حولها والغرباء، فمن علل بالنسك، جوزه لجميع الناس المقيمين والغرباء، ومن علل بالسفر، جوزه للغرباء دون المقيمين ومَنْ في معناهم، ثم الجمعُ بعذر السفر هل يجوز في كل سفر، أم يختص بالطويل؟ الصحيح أنه لا يجوز في القصير، كما لا يجوز فيه القصر، ويجوز في الطويل بلا خلاف، والطويل ثمانية وأربعون ميلًا هاشمية، وهو مرحلتان معتدلتان، والقصير دون ذلك، وفوق مسافة العدوى، وهي أن يستعدي على خصمه ويرجع إلى وطنه في يومه، والأفضل لمن هو في المنزل في وقت الأولى أن يقدم الثانية إليها، ولمن هو سائر في وقت الأولى ويعلم أنه ينزل قبل خروج وقت الثانية أن يؤخر الأولى إلى الثانية، ولو خالف فيهما، جاز، وكان تاركًا للأفضل، وشرط الجمع في وقت الأولى أن يقدمها، وينوي الجمع قبل فراغه من الأولى، وألَّا يفرق بينهما، فإذا أراد الجمع في وقت الثانية، وجب أن ينويه في وقت الأولى، ويكون قبل ضيق وقتها، بحيث يبقى من الوقت ما يسع تلك الصلاة فأكثر، فإن أخرها بلا نية، عصى، وصارت قضاء، وإذا أخرها بالنية، استحب أن يصلي الأولى أولًا، وأن ينوي الجمع، وألَّا يفرق بينهما، ولا يجب شيء من ذلك.